للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّذَيْنِ افترقا بصحةِ أحدِهما وفسادِ الأخرِ ليست دَلالةً على صحةِ الصحيحِ منهما دون فسادِ الفاسدِ، ولا على فسادِ الفاسدِ دون صحةِ الصحيحِ.

ومما يؤكِّدُ هذا أنه قد دَل على صِحَّةِ أحدِ الأمرَيْنِ من لا يعلمُ سامعو دَلالتِه عليهما أنه مفرِّقٌ بينه وبين غيرِه حتى يسمعوا منه الإِقرارَ بأحدِهما أنه مفرِّقٌ بينه وبين غيره بإبطالِه (١) كما لا يعلمُ إذا سَمعَ منه الإِقرارَ بأحدِهما أنه يُفرِّقُ بينه وبين الآخرِ دون أن يُنكرَه، فلو كانت الدَّلالةُ على أحدِهما هي التفرقةَ بينه وبين الآخرِ في الصحةِ والفسادِ؛ لكان السامعون لها عارفين بمعرفةِ صاحبِها بينه وبين صاحبه، ولكان المعتقدُ لصحة أحدِهما قد فَرَّقَ أيضاً بينهما في عَقدهِ بالتصحيحِ والإِبطالِ والنَّفي والِإثباتِ، فلما كان المعتقِدُ لصحةِ أحدِهما لم يُفرِّقْ بينهما في عَقْدِه باعتقادِه صحةَ أحدِهما؛ لأنه قد يجوزُ لك التفرقةُ بين الشيئينِ بما يمكنُ خصمَك أن يجعلَه مستوياً بينهما، وإن تعاطى ذلك ووقَف (٢) في الدعوى موقفَك، استويا ولم يَبِن منه شيء يجعلُك أوْلى بنُصرتِه منه بنُصرةِ مذهبِه.

ونظيرُ هذا: أن الشِّيعيَّ إذا قال للعُثْمانِيِّ: دليلي على أن عليَّاً أفضلُ من عثمانَ: كونُ السماءِ فوقي والأرضِ تحتي. جازَ للعثمانيِّ أن يقولَ: فهذابعينه هو دليلي على أن عثمانَ أفضلُ من عليٍّ، وما الذي جعلَك بأوْلى أن تَستدِلَّ على فضلِ عليَ على عثمانَ مني بالاستدلالِ به على فضلِ عثمانَ على عليٍّ؟ والسلام.


(١) في الأصل: "إبطاله".
(٢) في الأصل: "وقف".

<<  <  ج: ص:  >  >>