للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إساءتُه-، لوجبَ أن يكونَ على حالِه الأولى التي كان عليها غيرَ مسيءٍ، كما أن المتحركَ إنما يكونً متحركاً بعد أن كان غيرَ متحركٍ، وهو في كلا الحالين موجود عن (١) حادثٍ، فلولا أن هناك حادثاً غيرَه -هو حركتُه-، لوجبَ أن يكونَ على ما كان عليه غيرَ متحرِّكٍ، فهذا لا يُحتاجُ فيه إلى الكلام في أن المتحرِّكَ إنما كان متحركاً بحركةٍ؛ لأن خصمَه يوافقُه عليه، فإنما ينبغي أن يُعتمدَ على التسويةِ.

مثال آخرُ يَقْوَى به فهْمُ ما ذَكَرْنا وإتقانُه: أن يقولَ المعتزليُّ للسّنَيِّ: إذا كان اللهُ سبحانه قد بَرَّأ نفسَه من أن يأخذَ الغَيرَ بذنبِ الغيرِ بقولِه: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤]، لم يَجُزْ أن يقالَ: إنه يأخذُ لا بذنبِ، لقولِه: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥]، أوقولهَ،: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: ٨ - ٩]، فتحْصُلُ المعارضةُ بأنه لَمَّا لم يَجُزْ أن يأخذَه بذنب غيرِه، لم يَجُزْ أن يأخذَه لا بذنبِ كان منه؛ إذ هما سواءٌ؛ لأنه ليسَ ذنبُ الغيرِ عن الغيرِ إلا بكونِه ليسَ بذنبِ له، فكذلك ذنب لم يَفْعَلْه ليس بذنبٍ له.

فإن خالفَ السائلُ في الأصلِ الذي بَنى عليه المعارضةَ، فقالَ: يجوزُ عندي أن يأخذَ اللهُ العبدَ بذنب غيرِه وبما شاءَ، فلا بُد من أن يَدُلَّ على أن هذا باطلٌ بعدَ الجمعِ والتَسويةِ.


(١) كتب فوقها في الأصل كلمة: "غير".

<<  <  ج: ص:  >  >>