للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا أكَلْتُ إلا أكلةً واحدةً -عند قومِ-، ولآكُلَنَ أكلةً واحدةً -عند الجميعِ-، فأكل أكلًا طالَ وكَثُرَ لكنَهَ انتهى إلى غايةٍ هي شِبَعُه، لم يُعَدَ إلا أكلةً لِبرِّة وحِنْثِه بحَسَب يمينِه، وإن كان كلّ قطعةٍ من أكلهِ لو افرِدَتْ في حق غيرِه، فانتهتَ إلى غَرَضِه من شِبَعِه كان أكلةً تامَةً؛ لتأديتِها إلى غرضِ ذلك الأكلِ، وكانت هذه أكلةً وإن طالَتْ وكَثُرَتْ؛ لتأديتِها إلى نتيجةٍ، هي الشِّبَعُ للآكلِ.

كذلك صَيرنا ما تعاضَد من السؤالِ وقربَ من النتيجةِ الواحدةِ سؤالاً واحداً، فإذا استُؤنِفَ بعد ظهور الغَرضِ-وهو النتيجةُ- كلامٌ آخرُ، فهو سؤالٌ آخرُ، وحصلَتْ مسألةٌ ثانيةٌ.

وجملةُ هذا: أنك إذا وجدْتَ المسألةَ لوِجدانيَّةِ النتيجةِ كما وجدتَ السببَ لوجدانيَّةِ الغرض، فلا تلتفِتْ إلى قولِ من يقولُ: قد مضى ذاك السؤالُ، وهذا كلامٌ آَخرُ من المتكلِّمِ؛ فإن قصدَهم قطعُ الخصمِ في أوَّل وَهْلَةٍ وكلمةٍ، وهذا من تسويلِ الشياطين وتطميعِهم، وإلا فأين هم والوقوفَ على حقيقةِ الكلامِ فضلًا عن قطعِ الخصمِ؟ وإنما سمعوا قولَ القائل: جُمعَ بين فلاَنٍ وفلانٍ، فما كان إلا كلمتان حتى قَطَعَه، كما يقولون: تقاتَلَ فلانٌ وفلانٌ، فما كان إلا حَلَبُ شاةٍ (١) حتى صَرَعَه، وتجاولَ فلانٌ وفلانٌ، فما كان إلا مقدارُ طَرْفةِ الجفْنِ حتى طَعَنَه.

وهذا فَرَحُ ساعةٍ، وقولُ العَصَبيَّةِ (٢) مع عدمِ التحقيقِ، وقَلَّ أن


(١) أي وقت حلب شاة. "اللسان" (حلب).
(٢) في الأصل: "العصبة".

<<  <  ج: ص:  >  >>