للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالأولُ: كالطَّلَب على الطمعِ أن يُوجَدَ ما يَحتاجُ إليه من غيرِ أن يَدرِيَ الطالبُ ما يَطلَبُ، وهل هناك مطلوب في الحقيقة، أم لا؛ لأنه لا يدري هل هناك ما يَحتاجُ إليه، أم لا؛ فهو يطلبُ لَعلهُ أن يَجِدَ ما يحتاجُ إليه، فكذلك المُفكَريطلبُ بفكرِه على طمعٍ لعلهُ أن يجدَ ما يحتاجُ إليه من المعنى، فهذا وجهٌ من وجوهِ الاستدلالِ بالفِكرِ (١).

فهذا القِسْمُ صاحبُه كناصبِ شبكةٍ يطمعُ وقوعَ الصيدِ.

والوجهُ الثاني: هو تعليقُ الفِكرِ بمعنىً بعينِه، فهو كالطالب لشيءٍ بعينِه، كعبدٍ أبَقَ، أو جَمَلٍ شَرَدَ، وهذا القسمُ يَحتاجُ فيه إلى أنَ يعرفَ مَظانَ المطلوبِ وُيقربَ ذلك أشد التقريبِ، ليسهُلَ الوِجْدانُ.

وقد يُفكَرُ المستدِل في المعنى على الجُملةِ، وقد يُفكَرُ في المعنى على التَفصيلِ، فإذا فكَرَ المستدلى في: ما الدليلُ؟ فهو فِكر في المعنى على الجملةِ، وإذا فكَرَ في: ما الدليلُ على حدوثِ الجسم؟

فهو في المعنى على التَفصيلِ، وتقديمُ الفكرِ في المعنى على الجملَةِ توطئة للفكرِ فيه على التفصيلِ، فينبغي أن لا يُغفِلَ المستدِل ذلك.

فأمَّا طلبُ المُستدِل المعنى في مَظانَه بالفكرِ: فهو وضعُه في نفسِه المعانيَ التي ينبغي أن يطلبَه فيها دونَ المعاني التي لا ينبغي أن يطلبَه فيها، بخلافِ ما تقولُ العامةُ: لو ضاعَ مني جَمَل طلبتُه في الكَوةِ (٢)، وهذا غايةُ التضييعِ للوقتِ والتَضليلِ للفكرِ، وهو دأبُ المُتحيرينَ،


(١) في الأصل: (الفكرة)، والأوجه ما كتبناه.
(٢) الكَوة -بفتح الكاف، وضمها لغة-: الخرق في الحائط، والثقب في البيت ونحوه "اللسان" (كوي).

<<  <  ج: ص:  >  >>