للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلذلك قلنا: الانقطاعُ في الجَدَلِ عَجْزٌ عنه، فكلّ انقطاعٍ في الجدلِ عجزٌ عنه، وليس كلُّ عجزٍ عنه انقطاعاً فيه، وإن كان عاجزاً عنه.

والانتفاء: قد. يكونُ الإِعدامَ، وقد يكونُ التَّباعُدَ، ألا ترى أنهم يقولون: انْتَفى من أبيه، وكذلك: نفاهُ من أرضِه، كما قال سبحانه: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: ٣٣] إلا أن الفرقَ بين الانتفاءِ والانقطاع: أن كلَّ انقَطاعٍ فهو لشيءٍ عن شيءٍ آخَرَ، وليس كلُّ انتفاءٍ فهو لشيءٍ عن شيءٍ آخرَ؛ إذكان قد يَنْتَفي بأن يعدَمَ لا عن شيءٍ.

وكلُّ انقطاعٍ فهو انتفاءٌ عن المقالةِ (١) وما ابتدِئتْ به من النُّصرةِ بالعجزِ عن إقامةِ الحجَّةِ، ولا يخلو أن يكونَ ذلك لنقصانِ علمٍ بالجدلِ، ولا يَدْرِي كيف يَضَعُ الأشياءَ موإضعَها في السؤالِ والجواب، أو يكونُ لنقصانِ علمٍ بالحُججِ، فيكون الذي قَعَدَ به قِلَّة علمِه لَا ضعف جدلِه، أوِ يكونُ لفسادِ المذهب، فلا عَيْبَ على صاحبه بالانقطاعِ فيه إذا كان لم يقَصِّرْ عما يَحتمِلُه من الشُّبَهِ، وإنما العيب عليه في نصرتِه، لأن من نصرَ المذاهبَ الباطلةَ مَعِيبٌ عند أهل العقل والمعرفةِ، عاصٍ لله سبحانه؛ إذ كان الله سبحانه قد أخذَ على الناسَ أن يلازِموا الحقَّ في قولِهم وفعلِهم.

وقال بعض أهلِ الجدلِ من ائمَّةِ المتكلِّمين: من علاماتِ

الانقطاعِ ثلاثةُ أشياءَ: جَحْدُ الضرورةِ، ونَقْضُ الجملةِ بالتفصيلِ، وتَرْك إجراءِ العِلَّةِ في المعلولِ.

فمثال جحدِ الضرورةِ: أن يَرَى شيخاً، فيَدَّعيَ أن هذا الشيخَ لم


(١) في الأصل: "القابلة".

<<  <  ج: ص:  >  >>