للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَاى أن الانتقالَ من دليل إلى غيره ليس بانقطاع ولا خروجٍ عن مقتضى الجِدالِ والحِجاجِ.

قيل: لم يكُ انتقالُه للعجز؛ لأنه قد كان يَقدِرُ أن يُحقِّقَ مع نُمْرُودَ حقيقةَ الإِحياءِ الذي أرادَه؛ وهو إعادةُ الروحِ إلى جَسَدِ المَيْتِ، أو إنشاءُ حَيٍّ من مَواتٍ، وأنَّ الِإماتةَ التي أرادَها هي إزهاقُ النَّفْسِ من غير مُمارَسَةٍ بآلةٍ ولا مُباشَرَةٍ، ويقولَ له: فإذا فعلتَ ذلك كنتَ مُحيياً مُمِيتاً، أو فافعلْ ذلك إن كنتَ صادقاً، ومَعاذَ اللهِ أن يُظَنَّ بذلك الكريمِ أنه أنشَأَ إلزاماً مع تأييدِه بالوَحْي والرِّسالةِ، وما كان عليه من قُوَّةِ الاستدلالِ الذي أخبرَ اللُّه به عنه لماَ جَنَّ عليه الليلُ وبحَثَ عن النُجومِ، وما أفْضَى به الاستدلالُ بالتَّغييرِ والأفُولِ من الحكم عليها بالحَدَثِ وإثباتِ مُحدِثِها (١)، ثم يتركُ ما أنشأهُ، ويَعدِلُ عما ابتدأ به إلى غيره عجزاً عن استتمامِ النُصرةِ، لكنَّه لما رأى نُمْرُودَ غبيًّا أو مُتغابياً بما كشفَه عن نفسه من الإِحياءِ -وهو العفوُ عن مُستحِقِّ القتلِ -والإِماتةِ- وهي القتلُ الذي يُساوِيهِ فيه كلُّ أهلِ مملكتِه وأصاغر رَعِيَّتِه-، انتقلَ إلى الدليل الأوضحِ في باب تعجيزِه عن دَعْواهُ فيه


= وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨)}.
(١) وذلك في قوله تعالى في سورة الأنعام، [الأيات: ٧٦ - ٧٨]: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨)}

<<  <  ج: ص:  >  >>