للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبالغةِ، ولعل الكلامَ يُحكى، فيَعتدُّ عليك بالتقصير.

واحْذَرْ كلامَ من لا يفهمُ عنك؛ فإنه يُضْجرُك وُيغضِبُك، إلا أن يكونَ له غَريزيَّةٌ صحيحةٌ، ويكونَ الذي بَطَّأَ به عن الفهم فَقْدُ الاعتيادِ، فهذا خليلٌ مُسترشِدٌ تُعلِّمُه، وليس بخصمٍ فتُجادِلَه وتُنازِعَه.

وقَدرْ في نفسك الصَّبرَ والحِلْمَ (١) لئلا تَستفِزَكَ بغَتاتُ الإِغضاب، فلو لم يَكُنْ في الحِلْمِ خاصَة لها يُجتلَبُ، لكانت مَعُونتُه (٢) علَى المناظرة تُوجِبُ إضافتَه إليها.

ومع هذا فليس يَسلَمُ أحدٌ من الانقطاع إلا مَنْ قَرَنَهُ اللهُ -جلَّتْ عظمتُه- بالعِصْمَةِ من الزَّلَلِ، وليس حَد العالِمِ بأن يكونَ حاذِقاً بالجدلِ، فالعلمُ صناعة، والجدلُ صناعة، إلا أنه (٣) مادةُ الجدَلِ، والمًجادِلُ يحتاجُ إلى العالِمِ، والعالِمُ لا يحتاجُ في علمه إلى المُجادِلِ كما يحتاجُ المُجادِلُ في جَدلِه إلى العالِمِ.

وليس حدُّ الجدلِ بالمجادلةِ أن لا ينقطعَ المُجادِلُ أبداً، ولا يكونَ منه انقطاعٌ كثير (٤) إذا كَثُرَتْ مجادلتُه، ولكنَ المُجادِلَ من كان طريقُه في الجدل محموداً وإن نالَهُ الانقطاعُ لبعض الآفاتِ التي تَعرِضُ.


(١) تحرفت في الأصل إلى: "الحكم".
(٢) في الأصل وفي "شرح الكوكب المنير" ٤/ ٣٨٩: (معونة).
(٣) في الأصل والمرجع السابق ٤/ ٣٨٩: "أن".
(٤) في الأصل: "كثيراً".

<<  <  ج: ص:  >  >>