للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجهٍ؛ لوناً ومَنْظَرَاً و (١) نوعاً ونُضْجاً، فإنه لا تمتدُّ اليدُ إلى واحدة من الرطَب مع يَقَظَةِ الدَّواعي والإِرادةِ، وإنما تمتدُ اليدُ إلى واحدة مع الغَفْلةِ بَما يَجْري مَجْرى العَبَثِ، فإنَّ الفاعلَ لا يُعينُ إلا لِعلَةٍ، والعلَّةُ لا تكونُ إلا مِيزَةً، وعَسَاهُ لا يبقى إلا القربُ، فيأخذ بالأقرب (٢) منه لعِلَّةِ القُربِ، إذ لا بُدَّ أن يكونَ الرطَبُ على وجه يكونُ بعضُه إليه أقربَ من بعضٍ، وإذا كانت المتكافئاتُ بهذه الصورةِ، لم يَبْقَ أن يكونَ لترجيح كلامِ أحدِ المُتساوَييْنِ المَفْرُوضَيْنِ في الجدلِ إلا لترجُّحِ المذهبِ الذي ينصرُه لا غيرُ.

وأصلحُ ما سمعتُه من ذكرِ الشَعْرَة والرُّطَب ما تأَمَّلْتُه من نفسي، وهو إذا خرجتُ قاصداً لأمرٍ، فاعترضني القصَدُ لأمرٍ آخرَ، فلا أزالُ أخطو نحوَ الأرجحِ عندي، فتَعرِضُ لي مساواةُ الأمرين، فتُوقِفُني جبراً عن الحركة، أصابني ذلك عدَّةَ دَفَعاتٍ، وهذا يُؤيِّدُ أن لا ترجيحَ مع التكافؤ والمساواة.

فأمَّا إذا كان أحدُ الخصمين أقوى في الجدل من الآخر، لم يَكُنْ في استعلاءِ الأقوى دليلٌ على قُوَةِ مذهبهِ، ولكنْ لو اسْتَعْلى الأضعفُ على الأقوى لاقتضى ذلك قُوَةَ مذهبهِ لا غيرُ؛ إذ كان ظهورُه وترجُّحُه أقوى في بيانِ قُوَّةِ مذهبهِ (٣) من ظهور المساوي.

وكلُّ مُتجادِلَيْنِ فلا بُدَّ من أن يكونَ الحق مع أحدِهما دونَ الآخَر؛


(١) في الأصل: "أو" والأحسن ما أثبتناه.
(٢) في الأصل: "بأقرب".
(٣) في الأصل: "مذهب" دون هاء الضمير.

<<  <  ج: ص:  >  >>