للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه، وهذا يَصفُو دليلاً على الإباحة، ويَخلُصُ دليلاً على الجواز في حق مَنْ قال بعصْمَتِه - صلى الله عليه وسلم - من الخَطَا، فتقعُ أفعالُه كلها من هذا القبيلِ مُباحَةً، ومُبِيحةً لأُمَّتِه، وهم المعتزلةُ والإماميةُ.

فأمَّا على قول أهلِ السُّنةِ، وهو مذهبُنا: فإنه لا تقعُ منه هذه الأفعالُ دالَّةً على الإباحة إلا مشروطةً بأن لا يَتعقبَها مَعْتبةٌ من الله، أو استغفارٌ منه واستدراك؛ حيثُ كان لا يُقَر على الخطإ، على قول من جَوزَ عليه الخطأ، وهذا ملحوظٌ في هذا الفصلِ على مَنْ أغفلَه، مُستدرَك على مَنْ أهْمَلَه، بل أطلقَ القولَ إطلاقاً.

ونَكشِفُ ذلك بمثال قد كان منه - صلى الله عليه وسلم -، وهو أنه استغفرَ للمُشركينَ، وقامَ على قبور المُنافِقينَ، حتى قال الله سبحانه: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: ٨٤]، وقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ١١٣] فلو أن قائلًا قال بإباحةِ ما قالَهَ من الاستغفارِ للمشركين، والصلاةِ والقيامِ على قبور المنافقين، لكان مبادراً بإباحة ما لم يَكُ مباحاً، فلا بُدَّ من هذا القَيْدِ مع تجويزِ الخطأ عليه - صلى الله عليه وسلم -، وأنه إنما يَدُلُّ على الإباحة إذا أقِر عليه، ولم تَأتِ لائمةٌ من الله سبحانه على ما قالَه أو فعلَه، فحينئذٍ يصيرُ دَلالةً على الجوازِ.

وأما القسمُ الثاني من فعلِه - صلى الله عليه وسلم -، وهو ما فعلَه على وجه القُرْبَةِ:

فهو على ثلاثة أضْرُبٍ:


= الرحموت" ٢/ ١٨٠، و"شرح تنقيح الفصول" ص ٢٨٨، و"منتهى الوصول" ص ٣٤ - ٣٥، و"إحكام الفصول" ص ٢٢٣، و"العدة" ٣/ ٧٣٤، " و" شرح الكوكب المنير" ٢/ ١٧٨ - ١٧٩، و"إرشاد الفحول" ص ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>