للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أطلق النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - اسم الأفقه على الأبعد عنه، وليس للقُرب والمشاهدة إلا منزلة التَقدم، فأمَّا الآراء فإنها صفات مخلوقة في الفِطَرِ، فلا مَزية فيها بالتقدم، ولو كانت الآراء تَتَقاصر بالتأخر، لما بقي للأواخر من الرأي ما يصلح للمعاشِ ولا المعاد، بل كانت الآراء تَتَلاشى.

وذهب قوم إلى أنَّ قولَ الواحد من الصحابة حجة مع القياس الضعيف، وليس بصحيح؛ لأنّه ما لم يكن حجةً من نفسه لايَصيرُ حجةً بضم القياس إليه، لقول التابعي، ولأنه لو كان قول الصحابي لقوته، حجة مع قياس ضعيف لكان قولُ التابعي حجةً مع قياس قوي وجَلى، ولأنهم إن أشاروا بالقياس الضعيف إلى الخَفي وذهبوا إلى أنه حجة في نفسه، فبانضمامه إلى غيره ما تجدَّد له في نفسه حجة، فكيف تجدَد في غيره بأن صار حجة به؟

وإن ذهبوا إلى أن القياس الضعيف ليس بحجة، فكيف جعلوا قول الصحابي بانضمام ما ليس بحجة [له] (١) حجة؟ ولمَ خصّوا ذلك الضعيف دون أن يجعلوا انضمام صحابي آخر إليه شرطاً في كونه حجة، والأشخاص إلى الأشخاص حجة في الشرع كالبينَة.

على أن هذا قول فاسد من وجهٍ آخرَ، وهو: أنه لا يكون الإجماعُ مع كونه من أعظِمِ الأدلة إلا إذا صدر عن دلالةٍ، ولو قياساً أسندوا الحكم إليه، لم نحتجْ أن نقولَ في الإجماع: إنه لا يكون حجة إلا بانضمام قياس إليه. كذلك لا نَحتاج - مع علمنا بأنه لا يذهب


(١) زيادة يستقيم بها السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>