للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حال، وهو هذا، لأنهما لا يَفترقان أبداً.

ومثال آخر: من صَح طلاقُه صح ظِهاره، عكسُه عند أهلِ الجدلِ: مَن صح ظهاره صح طَلاقُه. ويعبر عن ذلك: لو لم يَصح ظهارُ الذميّ لم يصح طلاقُه، كالصبيِ والمجنونِ.

فصل

وقد اختلفَ أهلُ العلمِ في صحةِ الاستدلالِ بهذا- أعني العكس الذى ذكرناه ومثلناه-.

فمنهم من قال: لا يصح (١)؛ لأن عدمَ العلَّةِ لا يدلُّ على عدمِ الحكمِ في الشرعياتِ، لأن الحكمَ قد ثبت بعكس، فإذا زالت إحدى العلتينِ جاز أن تخلفَها علَّةُ أخرى، وكذلك عدم أخذ الحكمين لا يدلُ على عدمِ الحكمِ الأخرِ لجوازِ أن يختلف طَريقُهما.

ومنهم من قال: يصح الاستدلالُ به، وهم الأكثرونَ من الفقهاءِ وأهلِ الجدل، وهو أصح (٢)؛ لأن الحكمينِ إذا كان طريقُهما واحداً وثَبتا معاً جاز أن يُستدل بوجود أحدِهما على وجودِ الآخر، وبعدم أحدِهما على عدم الآخر؛ لأن القرآن تضمنَ الاستدلالَ بالعكسِ، قال سبحانه: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] والمراد بقولِه: إلا الله: غير، وهي صفة، فوصفَ الألهةَ التي ادعوها بانها غيرُ


(١) نُسِبَ ذلك إلى القاضي أبي بكر الباقلاني، وغيره من الشافعية، انظر؛ "شرح الكوكب المنير"٤/ ٢١٩، "البحر المحيط" ٥/ ٤٦ - ٤٨.
(٢) وهو اختيار أكثر الاصوليين والفقهاء، وقد استدلى به الشافعي في عدة مواضع.
انظر: "البحر المحيط" ٥/ ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>