للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا لا يصحُّ؛ لأن العدمَ وإن لم يكنْ شيئاً فإنه يدلُ، يقولُ العقلاءُ: لا روحَ في الشِّعر؛ لأنه لا حِس فيه.

فإن قيلَ: فهذا ليس باستدلالٍ بالنفي، لكنه قول بالنفي لعدم الدليلِ، فكان قولُهم: لا روحَ فيه لأنه لا حِسَّ فيه، معناه: لا اثبتُ فيه روحاً إذ لا أجدُ فيه دلالة الروحِ. فهذا عدمُ الدليل لا أنه دليل.

وكذلك قولُهم: لا ضَجة في دارِه فليس هو في دارِه، تقديرُه: لا أجدُ دليلَ كونِه في الدار، فلا أثْبتهُ في الدارِ، وكلُ ما جاء من هذا القبيلِ فهذا معناه، فأمَّا أن يكونَ النفي دليلًا فكلاً.

قيل: بل قد يكونُ دليلَاً للنطقِ، ويرجعُ إلى أحدِ أصلين: إمَّا دليلُ الخطاب، فيكون قول القائلِ من أصحابنا أو أصحابِ الشافعي في النُّورَة: ليس تُراباً، وفي الخَل: ليسَ بماءٍ، وفي المعلوفة: ليست سائمةً، اعتماداً على قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "جُعِلت لي الأرض مَسجداً، وجُعل تُرابها لي طهوراً" (١)، وقوله: "الماءُ طهور" (٢)، فيكونُ الحكمُ المعلقُ على الاسمِ دل على نفيه عن غيره، فيكون دليلاً فيما هذا سبيلُه من الأسماءِ والأوصافِ، فإذا علق نَفي الحكم على نفيها، كانَ ذلكَ بدليل الخطابِ.

أو يكون اعتماداً على أصلٍ آخر وهو: أن الأصلَ نفيُ الأحكام من إيجابِ زكاةٍ في المال، ومن طهوريّةٍ في الجامدات والمائعاتِ سوى


(١) تقدم تخريجه في الصفحة: (٤٥).
(٢) تقدم تخريجه في الصفحة: (٣٩) من الجزء الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>