للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

وقد ألْحَقَ أصحابُ أبي حنيفة وجهاً آخر، وهو النسخُ بزوالِ العِلَّةِ (١)، وذلك مثل: أن يستدلَّ الشافعي أو الحنبلي في تَخْلِيل الخَمْرِ: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى أبا طَلْحَة عن تخليلها، وأمرَه بإراقَتِها (٢)، فقالوا: كان أوَّلَ ما حُرمَ الخمرُ وألِفُوا شُرْبَها، فنهى عن تَخْليلِها تغليظاً وتشديداً، وقد زالَ ذلك المعنى، فزالَ الحكمُ.

فالجواب عن ذلك: أن نَتَبَيَّنَ أن النَهْيَ كان حُكْمَ اللهِ في الخَمْرِ كإيجاب الحَدِّ والتَّفْسيقِ بشُرْبِها. والتنْجيسِ بها، فدعوى أنه كان لتلك الحالِ تشديداً، وأنه زالَ باعتيادِ الترْكِ، نسخ بغيرِ دليل، بل لمجرَّدِ احتمال، على أنَّ النهيَ منطوق به، والعلةَ منطوق بها، فقوْلُه جواباً لأبي طلحة حيثُ قال له: أفأخَللُها؟ قال: "لا، أهرقْها"، قال: إنها لِأيْتام، قال: "أرَقها"، والله سبحانه عَلَّلَها بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} [المائدة: ٩١]، وهذانِ النُّطْقانِ لا يجوزُ أن يُسْقطا بمجرَّدِ قولِكم: يجوزُ أن يكونَ حالُ النهي اقْتَضَت


(١) كذا قال المؤلف رحمه الله، والمسطور في كتب أصول الحنفية أنه لا يعد نسخاً، وقالوا: هو من قبيل انتفاء الحكم لانتفاء العلَّة. انظر "التقرير والتجبير" ٣/ ٧١، و"فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت" ٢/ ٨٦.
(٢) أخرجه أحمد ٣/ ١١٩ و ١٨٠ و ٢٦٠، والدارمي ٢/ ١١٨، ومسلم (١٩٨٣)، وأبو داود (٣٦٧٥)، والترمذي (١٢٩٤) عن أنس بن مالك.
وأخرجه الترمذي (١٢٩٣) عن أنس، عن أبي طلحة الأنصاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>