للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به من الآياتِ لقومهِ على أنه رسولُ الله. فكما لم نعرفْ في القدرةِ إقامةَ الدلالةِ على أنَّ الخطابَ خطابهُ، لم نعرفْ في القدرةِ تفهيمَ السامعينَ لخطابِه، ما وجهه نحوهم من خطابِه، فيوقعُ لهم الفهمُ عقيبَ الخطابِ.

ومما يدل على ذلك: أنَّ الإنسانَ مع كونه خلقا من خلقِ الله، وصنعةً من صنائعِه، قد توصلَ إلى تفهيمِ الحيوانِ البَهيمِ ما يريدهُ منه من الصنائعِ والأعمالِ والاصطيادِ، والسعي والوقوفِ بحروفٍ وأصواتٍ يشيرُ بها فيقفُ إذا أوقفهُ، ويسعى إذا استسعاهُ، ويقدمُ على الصيدِ تارةً إذا أرادَ منهُ الِإقدامَ، ويحجمُ إذا أراده بالِإحجام.

وكذلكَ خطابُهم الأطفال بكَخْ للقذرِ، وماح للحَلوِ، وواوا للمؤلمِ، وداح للمليحِ، ولكل شيء نطق يفهمونَ منه.

وكذلكَ: ما يتواضعُه الخرسُ من الإِشاراتِ من بعضِهم لبعض، ومن الناطقين لهم، كلُّ ذلك يُعْقِبُه الله سبحانَه بإلقاءِ التفهيمِ إليهم وعنهم مع عدمِ سابقِ مواضعةٍ منهم للإِشارةِ، بل الإشارةْ يتبعها الفهمُ، فأولى أنْ يكونَ اللهُ سبحانه يعقبُ خطابَه لمن خاطَبَه بإفهامِه معنى ما خاطبهُ، وهو الخالقُ الصانعُ القادرُ.

فصل

والدلالةُ على إفسادِ قولِ من قالَ: بأنَّ الخطاب والتخاطب والأسماءَ كلها توقيف، وأنه لولا ذلك لما تمتْ لهمْ مواطأةٌ على خطابٍ، ولا تخاطبَ يتخاطبونَ به، هو:

أنَّ الله سبحانه لما خلَقهم أحياءَ ناطقين، كما خلقهم أحياءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>