للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المضافِ إليهِ مقامهُ.

وقولهُ: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: ١٧١] روحُ ملك، وإضافةُ تجميلٍ وتقريبٍ كقو لِه في الكعبةِ: {بَيْتِيَ} [البقرة: ١٢٥]، وتسميته روحَ آدم: {رُوحِي} [الحجر: ٢٩]، لا أن البَيت مسكنهُ، ولا الروُح صفتهُ، لكن خلقهُ، وبجَّلَهما بالإضافةِ إليه، وكفى بذلك تعظيماً وتشريفاً.

وأما قولُه: {لِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (٣٩)} [طه: ٣٩]: على مرأى منّي بدليلِ قولِه: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (٤٦)} [طه: ٤٦].

والحروفُ المقطعةُ؛ فقد فسرَها قومٌ بالاشتقاقِ، كالكافِ من كافي، والهاء من هادي (١).

وقال قومٌ: لا يعلمُ تأويلُها إلا الله (٢)، كما قالتْ جماعةٌ من أهلِ السُّنةِ في التشابهِ بينَ الأفعال والإضافاتِ.

وليس في آياتِ الأَحكامِ اشتباهٌ يُعْجِمُ على العلماءِ بحيثُ يمنع الحكمَ والعملَ، إذ ليسَ المقصودُ بآياتِ الأحكامِ إلا الأعمال. وأما آياتُ الاعتقادِ، فإنه يجوزُ أن يكونَ أحدُ أقسامِ التكليفِ فيها التسليمَ للهِ، ورَدَّ معناها إليه، وهو الأشبهُ بقولِه: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: ٧] أنه سَلْبٌ للعلماءِ الراسخين عِلْمَ تأويلِ المتشابه، لأنَه قال: {يَقُولُونَ آمَنَّا} [آل عمران: ٧] ولم يعْطِفْ إيمانَهم بالواوِ، ولو كانوا علموا، لعطفوا إيمانَهم على علمِهم بواوِ العطف، وقوله: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧]، توطئةٌ للقلوب على تسليم المتشابهِ لمن جاءَ من عندِه المحكمُ. وإنّما يتجاذَبُ المختلَفون من أهلِ الاجتهادِ المعانِي بحسب ما حظي كلٌ منهم مِن الفهمِ، فهذا يحملُ الآيةَ على ما أرادهُ اللهُ منها بالحجةِ،


(١) انظر "الإتقان" للسيوطي ٢/ ٢٤ - ٢٧.
(٢) انظر "البرهان" للزركشي ١/ ١٧٣، و"الإتقان" ٢/ ٢٤ والصفحة ١٦٩ من الجزء الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>