للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يجدون عنه محيصاً، وايرادُه على وجهٍ لا يمكنُ التعرضُ بسؤال ولا إلزام ولا مقابلةٍ تنفعهُم.

فنقولُ: لو أنَكم تكلمتمْ على كلُّ آيةٍ ذكرهَا الموافِقُون لَنا، حتى تبقى معنا آيةٌ واحدةٌ تعطي المجازَ، لا نطلب مقالتَكم، لأنَ مقالتكم تتضمن النفيَ، فأدنى إثباتٍ يبطل نفيكُم، وقد قالَ تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: ٧٧] فهل تتحقق للجدارِ إرادةٌ؟ فِمنْ قولِكم: لا، لم يبقَ إِلا أنَّ تقديرَه: فوجدَا فيهاجدارَاً مائِلًا كأنه المرِيْدُ من الحيوانِ للانقضاضِ.

وقوله: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ} [مريم: ٣٤] ,

وعيسى ليس بقولٍ حقيقة، بل هو شخصٌ لحمٌ ودمٌ وأعصابٌ وعروقٌ، وكلام الحقِّ إما حروفٌ وأصواتٌ، كما قال بعضُ المثبتين، وبعضُهم يقول: صفةٌ في النَفسِ، وبعضُهم يقول: أصواتٌ محْدَثَةٌ، ولا أحدَ قال: إنَ كلمةَ اللهِ لحمٌ ودمٌ وعظامٌ.

وقوله لمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وهو حيٌّ ناطقٌ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ} وأصحابُه أحياءٌ {وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠] وإِنَّما أرادَ به: ستموتُ. وقال سبحانَه: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: ٨] والذي أَخبر به عنهم حال التِقاطِهِ أنْ قالوا: {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا} [القصص: ٩] لكنَّ اللامَ هاهنا كانت لامَ عاقبةٍ كقولِ العرب (١): ولِلْمَوتِ ما تَلِدُ الوالِدَه.


(١) هو من أبيات أوردها ابن الأعرابي في (نوادره) لنهيك بن الحارثِ المازني، من مازن فزارة، وتمام البيت: =

<<  <  ج: ص:  >  >>