للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصارَ الناسُ يستعيرونَ للنحوي المُجَودِ اسمَ سيبويه، فيقولونَ، هذا سيبويهُ زمانِه، وللشجاع: هذا عليٌ، وللجوادِ: هذا حاتمُ طَيىءٍ، وللعيّي: هذا باقلٌ، وللفقيهِ: هذا أبو حنيفةَ زمانه، وللطبيبِ: هذا جالينوسُ زمانِه، كما استعاروا أسماءَ الحيوانات لخصائِصها ومعانيها لِمَنْ وُجِدَ في حقِّه ما يُدانيها من أوصافِها وخصائصها، وهذا الضربُ كاَنَّه قياسٌ على الوضعِ اللغوي بالمعنى الذي سَلكه أهلُ اللغةِ.

فصلٌ

في الفرقِ بينَ الحقيقةِ والمجاز

اعلم أن طريقَ العلمِ بذلك عدةُ أمورٍ:

أحدُها: أنَّ الحقيقةَ من الكلام جارٍ في جميع ما وُضِعَ لإفادتهِ نحوُ قولكِ: ضاربٌ وعالمٌ وقادرٌ، الوَاقعُ على كلُّ من لْه ضربٌ وعِلمٌ وقُدْرَةٌ.

وكذلك قولُك: إنسانٌ وفرسٌ. المفيدُ للصورةِ المخصوصةِ، تابعٌ أبداً لها أينما وُجِدَتْ مِن غيرِ تخصيص، وإلاَ بطلت دلالةُ الكلامِ وانتقضتْ المواضعةُ.

فأمَّا المجازُ فمقصورٌ على موضعهِ لا يقاسُ، فلا يقالُ: سل البساطَ والسريرَ، قياساً على قولِهم: سل الربْعَ القريةَ والعيرَ.

والثاني: أنْ يكونَ ما جرى عليه الاسمُ حقيقةً يُسْتَحَق منه الاشتقاق، فإذا امتنعَ الاشتقاق منه عُلِم أنه مجازٌ، نحو تسميةِ الفعلِ والحالِ والشأنِ أمراً على وجهِ المجازِ، والأمرُ على الحقيقةِ بالشيءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>