للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٢٦٣ - وعن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر مثل الحي والميت)). متفق عليه.

٢٢٦٤ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالي: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي؛ وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم)). متفق عليه

ــ

الدرجات العلي. وإنما قالوا: ((ما المفردون)) ولم يقولوا: من هم؛ لأنهم أرادوا [فسر] اللفظ وبيان ما هو المراد منه، لا تتعين المتصفين به، وتعريف أشخاصهم، فعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجواب عن بيان اللفظ إلي حقيقة ما يقتضيه توقيفا للسائل بالبيان المعنوي علي المعنى اللغوي إيجازا، فاكتفي فيه بالإشارة المعنوية إلي ما استبهم عليهم من الكناية اللفظية.

أقول - وما توفيقي إلا بالله -: ولعلهم كانوا قافلين من غزو أو سفر، قاصدين المدينة، وقربوا منها واشتاقوا إلي الأوطان، فتفرد منهم جماعة مهترين سابقين، وبقي بعضهم غير باسطين، فقال صلى الله عليه وسلم لهؤلاء المتخلفين: سيروا وقد قرب الدار، وهذا جمدان وسبقكم المفردون. وأما جواب رسول الله عن قولهم: ((ما المفردون)) بقوله: ((الذاكرون الله كثيرا)) فمن الأسلوب الحكيم الوارد علي سبيل الاستطراد، أي دعوا سؤالكم هذا؛ لأنه ظاهر مكشوف، واسألوه عن السابقين إلي الخيرات المتبتلين إلي الله تعالي بمداومة الذكر، المفردين الله بالذكر عمن سواه هذا، وأما المطابقة بين السؤال والجواب لفظًا، فهي حاصلة؛ لأن ((ما)) كما يسأل بها عن حقيقة الشيء يسأل بها عن وصفه أيضًا، نحو سؤال فرعون ((وما رب العالمين)) وجوابه عليه السلام ((رب السموات والأرض)) في وجه. كأنهم يألوا ما صفة هؤلاء المفردين؟ فأجيبوا: صفتهم أنهم يذكرون الله كثيرا. قوله: ((والذاكرات)) ((مح)): أي الذاكراته فحذف الهاء كما حذف في التنزيل إنهاء رأس آية، ولأنه مفعول، وحذفه سائغ.

الحديث الثالث عن أبي موسي: قول: ((مثل الذي يذكر ربه)) شبه الذاكر بالحي الذي تزين ظاهره بنور الحياة وإشراقها فيه، وبالتصرف التام فيما يريد، وباطنه منور بنور العلم والفهم والإدراك، كذلك الذاكر مزين ظاهرة بنور العمل والطاعة، وباطنه بنور العلم والمعرفة، [فقلبه] مستقر في حظيرة القدس، وسره في مخدع الوصل، وغير الذاكر عاطل ظاهره وباطل باطنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>