للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

بعض، فيحفظها في المركبات محمية عن إفناء بعضها بعضًا، فلا يطفيء الماء النار، ولا تحلل النار الماء. ويحفظ علي العباد أعمالهم، ويحصى عليهم أفعالهم، وأقوالهم. وحظ العبد منه: أن يحفظ سره عن اتباع الشبهات والبدع، وجوارحه عن انقياد الشهوات والغضب، ويختار قصد الأمور، ويحفظ نفسه عن الميل إلي طرفي الإفراط والتفريط. والعارف خصوصًا أن يحفظ باطنه عن ملاحظة الأغيار، وظاهره عن موافقة الفجار.

قال الشيخ أبو القاسم: ومن حفظه تعالي لأوليائه صيانة عقودهم في التوحيد عن اكتفائهم بالتقليد، وتحقيق العرفان في أسرارهم بجميل التأييد، وليس كل الحفظ أن يحفظ عبدًا بين البلاء عن البلاء؛ وإنما الحفظ أن يحفظ قلبًا علي خلوص المعرفة من الأهواء، حتى لا يزل عن الطريقة المثلي، ولا يحيد إلي البدع والهوى. وقيل: من حفظ لله جوارحه، حفظ الله عليه قلبه، لا بل من حفظ لله حقه حفظ الله عليه حظه. وحكى: أن بعض الصالحين وقع بصره يومًا علي محظور، فقال: إلهي إنما أريد بصرى لأجلك، فإذا صار سببًا لمخالفة أمرك فاسلبنيه، فعمى. وكان يصلي بالليل، فاحتاج إلي الطهارة، ولم يتمكن منها فقال: إلهي إنما قلت خذ بصرى لأجلك، فالليل احتاج لأجلك، فعاد إليه بصره.

((المقيت)) خالق الأقوات البدنية، والروحإنية، وموصلها إلي الأشباح والأرواح، وفي الحديث: ((كفي بالمرء إثمًا أن يضيع من بقيت))، فهو من صفات الأفعال. وقيل: هو المقتدر بلغة قريش. قال الشاعر:

وذى ضغن كففت النفس عنه وكنت علي إساءته مقيتًا

وقيل: الشاهد والمطلع علي الشىء، من أقات الشىء إذا شهد عليه، فهو علي الوجهين من صفات الذات. وحظ العبد منه: أن يصير نافعًا هاديًا، يطعم الجائع، ويرشد الغافل.

قال الشيخ أبو القاسم: وإذا اختلفت الأقوات، فمن عباده من يجعل قوت نفسه توفيق العبادات، وقوت قلبه تحقيق المعارف والمكاشفات، وقوت روحه إدامة المشاهدات والمؤانسات، خص كلا بما يليق به علي ما سبق فيه الاختيار، وحق فيه القول، وإذا شغل عبد بطاعاة الله أقام لأجله من يقوم بشغله، وإذا رجع إلي متابعة شهوته، وتحصيل أمنيته، وكله إلي حوله وقوته، ورفع عنه ظل عنايته.

((الحسيب)) الكافي في الأمور، قال الله تعالي: ((ومن يتوكل علي الله فهو حسبه)) من أحسبنى إذا كفانى، فعيل بمعنى مفعل، كأليم، والحسيب المطلق هو الله تعالي، إذ لا يمكن أن تحصل الكفاية في جميع ما يحتاج إليه الشىء في وجوده وبقائه، وكماله البدنى والروحانى

<<  <  ج: ص:  >  >>