للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

وقساوته. فالذي كان شقيًا في حكمه، أبرزه في نطاق أوليائه، ثم حطه أبلغ حط، وقال: ((فمثله كمثل الكلب)). والذي كان سعيدًا في حكمه خلقه في صورة الكلب، ثم حشره في جملة أوليائه، وذكر، في جملة أصفيائه، فقال: ((رابعهم كلبهم) وقال: ((وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد)).

((الودود)) مبالغة الواد. ومعناه: الذي يحب الخير لجميع الخلائق، ويحسن إليهم في الأحوال كلها. وقيل: المحب لأوليائه. وحاصله يرجع إلي إرادة مخصومة. وحظ العبد منه: أن يريد للخلق ما يريد لنفسه، ويحسن إليهم حب قدرته ووسعه، ويحب الصالحين من عباده. قال الشيخ أبو القاسم: قيل: إنه فعول بمعنى الفاعل، كما يقال: رجل قتول، إذا كان كثير القتل. وقيل: إنه بمعنى المفعول، كقولهم: ناقة حلوب، بمعنى محلوبة، فمعنى ((الودود)) في وصفه أنه يود المؤمنين، ويودونه، قال تعالي: ((يحبهم ويحبونه)). ومعنى المحبة في صفة الحق لعباده تكون بمعنى رحمته عليهم، وإرادته للجميل لهم، ومدحه لهم، وبمعنى إنعامه عليهم، وإحسانه إليهم. ومحبة العبد لله تعالي تكون بمعنى طاعته له، وموافقته لأمره، وتكون بمعنى تعظيمه له، وهيبته عنه.

وقد تكلموا في اشتقاق المحبة علي وجوه: أحدها: أنه من حبب الإنسان، وهو صفاؤها ونضارتها، فمحة العبد صفاء وقته، وضياء أحواله. وذلك لتنزهه عن الغفلات، وتباعده عن العلات، وتنقيه عن أوضاع المخالفات، وتوقيه من أدناس الزلات. وثإنيها: أنه من قولهم: أحب البعير إذا استناخ فلا يبرح، فالمحب أبدًا يكون مقيمًا علي باب محبوبه بنفسه وبدنه، فإن لم يمكنه فبقلبه وروحه، والمحب يصل سيره بسراه، ويدع هواه في رضاه. وأنشد:

أحبكم ما دمت حيًا فإن أمت يحبك عظم في التراب رميم

يهجر فيأبي إلا الوصال، ويقابل بالصد والرد، والإهانة والطرد، والتنفير والبعد، ولا يزداد بالظاهر إلا جهدًا علي جهد، وبالباطن إلا وجدًا علي وجد، يؤثر العز علي الذل، والبعد علي القرب. وأنشد:

رأيتك يدنينى إليك تباعدى فباعدت نفسى لابتغاء التقرب

وثالثها: أنه من الحب، وهو القرط، سمى حبًا لقلقه واضطرابه، كما أن القرط لا يستقر بل يضطرب دائمًا، كذلك المحب عديم القرار، فقيد الاصطبار لا يسكن إنينه، ولا يهدأ حنينه، نهاره ليل، وليله ويل، ونومة مفقود، وفي قلبه وقود.

<<  <  ج: ص:  >  >>