للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٣٢٦ - وعن أبي ذر ((رضي الله عنه)قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن الله تبارك وتعالي أنه قال: ((يا عبادي! إني حرمت الظلم علي نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا. يا عبادي! كلكم ضال إلا من اهديته، فاستهدوني أهدكم. يا

ــ

كان يفزع إلي الاستغفار؛ إذا لم تف قوامهما في سرعة اللحوق بها. وهذا من أعز مقول في هذا المعنى، وأحسن مشروح فيه. والله أعلم.

الحديث الثالث والرابع عن أبي ذر رضي الله عنه: قوله: ((يا عبادي)) ((قض)):الخطاب مع الثقلين خاصة لاختصاص التكليف، وتعاقب التقوى والفجور بهم، ولذلك فصل المخاطبين بالأنس والجن، ويحتمل أن يكون عاما شاملا لذوي العلم كلهم من الملائكة والثقلين، ويكون ذكر الملائكة مطويا مدرجا في قوله: ((وجنكم)) لشمول الاجتنان لهم، وتوجه هذا الخطاب نحوهم لا يتوقف علي صدور الفجور منهم، ولا علي إمكانه؛ لأنه كلام صادر علي سبيل الفرض والتقدير. وأقول: يمكن أن يكون الخطاب عاما، ولا يدخل الملائكة في الجن؛ لأن الإضافة في ((جنكم)) تقتضي المغايرة، فلا يكون تفصيلا، بل إخراجا للقبيلين الذين يصح اتصاف كل منهما بالتقوى والفجور.

قوله: ((حرمت الظلم علي نفسي)) ((نه)):أي تقدست عنه، وتعاليت، فهو في حقي كالشيء المحرم علي الناس. أقول: يريد أنه استعارة مصرحة تبعية، شبه تنزهه تعالي عن الظلم الذي هو وضع الشيء في غير موضعه، باحتراز المكلف عما نهي عنه شرعا في الامتناع منه، ثم استعمل في جانب المشبه به مبالغة وتشديدا، ويحتمل أن يكون مشاكلة لقوله بعده: ((وجعلته بينكم محرما)). نحو قول الشاعر:

من مبلغ أفناه يعرب كلها ... إني بنيت الجار قبل المنزل

قوله: ((يا عبادي كلكم ضال)) لما كان الخطاب بعد ((يا عبادي)) معنيا به مهتما بشأنه، كرره تنبيها علي فخامته، ونسبة الضلال إلي الكل بحسب مراتبهم.

((غب)):الضلال العدول عن الطريق المستقيم، ويضاده الهداية، ويقال الضلال عدول عن المنهج، عمدا كان أو سهوا، يسيرا كان أو كثيرا، فإن الطريق المستقيم الذي هو المرتضى صعب جدا. قيل: كوننا مصيبين من وجه، وكوننا ضالين من وجوه كثيرة؛ فإن الاستقامة والصواب تجري مجرى المقرطس والمرمى، وما عداه كلها ضلال، وإليه أشار صلى الله عليه وسلم: ((استقيموا ولن تحصوا)).فإذا كان الأمر علي ما جرى، صح أن يستعمل لفظ الضلال فيمن أن يكون علي خطأ ما, ولذلك نسب الضلال إلي الأنبياء وإلي الكفار وإن كان بين

<<  <  ج: ص:  >  >>