للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. فقال: ((أليس ذا الحجة؟)) قلنا: بلي. قال: ((أي بلد هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فكست حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: ((أليس البلدة؟)) قلنا: بلي! قال: ((فأي يوم هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: ((أليس يوم النحر؟)) قلنا: بلي. قال: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في

ــ

عليه ما أراد تقريره، وقولهم في الجواب: ((الله ورسوله أعلم)) مراعاة للأدب وتحرزاً عن التقدم بين يدي الله ورسوله، وتوقفاً فيما لا يعلم الغرض من السؤال عنه. أقول: في قولهم: ((سيسميه)) إشارة إلي تفويق الأمور بالكلية إلي الشارع، وعزل لما ألفوه من المتعارف المشهور.

قوله: ((أليس ذا الحجة؟)) بالنصب، وفي أصل المالكي بالرفع، وقال: الأصل أليسه ذو الحجة؟، ومن حذف الضمير المتصل خبرا لكان وأخواته قول الشاعر:

فأطعنا من لحمها وسديفها شواء وخير الخير ما كان عاجله

أراد خير الخير الذي كأنه عاجله وقال:

شهدت دلائل جمة لم أحصها أن المفضل لن يزال عتيق

أراد لن يزاله. ((مح)): في هذا التمثيل دليل علي استحباب ضرب الأمثال وإلحاق النظير بالنظير قياساً. وفي قوله: ((فليبلع الشاهد الغائب)) تصريح بوجوب نقل العلم وإشاعة السنن والأحكام. ((تو)): وإنما شبهها في الحرمة بهذه الأشياء؛ لأنهم كانوا لا يرون استباحة تلك الأشياء وانتهاك حرمتها بحال.

قوله: ((البلدة)) ((تو)): وجه تسميتها بالبلدة- وهي تقع علي سائر البلدان- أنها البلدة الجامعة للخير المستحقة أن تسمى بهذا الاسم؛ لتفوقها سائر مسميات أجناسها تفوق الكعبة في تسميتها بالبيت سائر مسميات أجناسها، حتى كأنها هي المحل المستحق للإقامة بها. قال ابن جنى: من عادة العرب أن يوقعوا علي الشيء الذي يختصونه بالمدح اسم الجنس، ألا تراهم كيف سموا الكعبة بالبيت، وكتاب سيبويه بالكتاب!

قوله: ((وأعراضكم)) ((تو)): أي أنفسكم وأحسابكم، فإن العرض يقال للنفس وللحسب، يقال: فلان نقى العرض، أي بريء أن يشتم أو يعاب. والعرض رائحة الجسد وغيره طيبة كانت أو خبيثة. ((حس)): لو كان المراد من الأعراض النفوس لكان تكراراً، لأن ذكر الدماء كاف، إذ المراد به النفوس. أقول: الظاهر أن يراد بالأعراض الأخلاق النفسإنية، والكلام فيه يحتاج إلي فضل تأمل، فالمراد بالعرض هنا الخلق، كما سبق، وفي قول الحماسي: إذا المرء

<<  <  ج: ص:  >  >>