للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٤٥٣ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله،: ((من تردى من جبل فقتل نفسه؛ فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن تحسي سما فقتل نفسه؛ فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن قتل نفسه بحديدة؛ فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)) متفق عليه.

٣٤٥٤ - وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار)) رواه البخاري.

ــ

وبكسره وضم الياء من أراح يريح، والمعنى واحد وهو أنه لم يشم رائحة الجنة ولم يجد ريحها. ولم يرد به أنه لا يجد أصلا بل أول ما يجدها سائر المسلمين الذين لم يقترفوا الكبائر؛ توفيقاً بينه وبين ما تعاضدت به الدلائل النقلية والعقلية، علي أن صاحب الكبيرة إذا كان موحداً محكوماً بإسلامه لا يخلد في النار ولا يحرم من الجنة. وقوله: ((أربعين خريفاً) أي عاماً.

الحديث السابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((من تردي من جبل)) ((قض)): التردي في الأصل التعرض للهلاك من الردي، وشاع في التدهور؛ لإفضائه إلي الهلكة. والمراد به هاهنا أن يتهور الإنسان فيرمي نفسه من جبل. والتحسى ولحسو واحد غير أن فيه تكلفاً. قوله: ((ويتوجأ)) من الوجاء وهو الطعن والإجابة بالسكين ونحوه، كذا في جامع الأصول. وفي المصابيح ((يجأ)) علي وزن يجع، والأول أنسب للقرائن من قوله: ((يتردى ويتحسى)) والضمير في ((بها)) للحديدة. ((قض)): وفي تعذيب الفساق بما هو من جنس أفعالهم حكم لا تخفي علي المتفكرين من أولي الألباب. والظاهر أن المراد من هؤلاء الذين فعلوا ذلك مستحلين له، وإن أريد منه العموم فالمراد من الخلود والتأبيد المكث الطويل المشترك بين دوام الانقطاع له، واستمرار مديد ينقطع بعد حين بعيد لاستعمالها في المعنيين، فيقال: وقف وقفاً مخلداً مؤبداً، وأدخل فلان حبس الأبد، والاشتراك والمجاز خلاف الأصل فيجب جعلهما للقدر المشترك بينهما؛ وللتوفيق بينه وبين ما ذكرنا من الدلائل. فإن قلت: ما تصنع بالحديث الذي يتلوه مروياً عن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم بادرني عبدي بنفسه. قلت هو حكاية حال فلا عموم فيها إذ يحتمل أن الرجل كان كافراً أو ارتد لشدة الجراحة أو قتل نفسه مستبيحاً، مع أن قوله: ((فحرمت عليه الجنة)) ليس فيه ما يدل ظناً علي الدوام والإقناط الكلي فضلا عن القطع.

((تو)): لما كان الإنسان بصدد أن يحمله الضجر والحمق والغضب علي إتلاف نفسه، ويسول له الشيطان أن الخطب فيه يسير، وهو أهون من قتل نفس أخرى حرم قتلها عليه، وإذا لم يكن لصنيعه مطالب من قبل الخلق فإن الله يغفر له، أعلم النبي صلى الله عليه وسلم المكلفين أنهم مسئولون عن ذلك يوم القيامة، ومعذبون به عذاباً شديداً، فإن ذلك في التحريم كقتل سائر النفوس المحرمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>