للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يرتد السهم علي فوقه، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه. يدعون إلي كتاب الله وليسوا منا في شيء، من قاتلهم كان أولي بالله منهم)) قالوا: يا رسول الله! ما سيماهم؟ قال: ((التحليق)) رواه أبو داود. [٣٥٤٣]

ــ

أنه لا يتجاوز أثر قراءتهم عن مخارج الحروف والأصوات، ولا يتعدى إلي القلوب والجوارح، فلا يعتقدون وفق ما يقتضي اعتقاداً، ولا يعملون بما يوجب عملاً. وثإنيهما: أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها، وكأنها لم تتجاوز حلوقهم. وثالثها: أنهم لا يعملون بالقرآن فلا يثابون علي قراءته، ولا يحصل لهم غير القراءة. قوله: ((مروق السهم)) مصدر أي مثل مروق السهم، ضرب مثلهم في دخولهم في الدين وخروجهم منه بالسهم الذي لا يكاد يلاقيه شيء من الدم لسرعة نفوذه، تنبيهاً علي أنهم لا يتمسكون من الدين بشيء، ولا يلوون عليه. وقد أشار إلي هذا المعنى في غير هذه الرواية بقوله: ((سبق الفرث والدم)).

قوله: ((حتى يرتد السهم علي فوقه)) كقوله تعالي: {ارْتَدُّوا عَلي أَدْبَارِهِم} والفوق موضع الوتر من السهم، وهذا من التعليق بالمحال علي رجوعهم إلي الدين بما يعد من المستحيلات؛ مبالغة في إصرارهم علي ما هم عليه حسما للطمع في رجوعهم إلي الدين، كما قال تعالي: {ولا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ} وفيه من اللطف أنه راعى بين التمثيلين المناسبة في أمر واحد، مثل أولا خروجهم من الدين بخروج السهم من الرمية، وثإنياً فرض دخولهم فيه ورجوعهم إليه برجوع السهم علي فوقه إلي ما خرج منه من التوتر.

قوله: ((هم شر الخلق والخليقة)) ((نه)): ((الخلق)) الناس، و ((الخليقة)) البهائم. وقيل: هما بمعنى واحد ويريد بهما جميع الخلائق. ((تو)): ((الخليقة)) في الأصل مصدر وإنما جاء باللفظين تأكيداً للمعنى الذي أراده وهو استيعاب أصناف الخلق، ويحتمل أنه أراد بـ ((الخلقية)) من خلق، وبـ ((الخلق)) من سيخلق. ((قض)): ((هم شر الخلق))؛ لأنهم جمعوا بن الكفر والمراء فاستبطنوا الكفر، وزعموا أنهم أعرف الناس بالإيمان وأشدهم تمسكاً بالقرآن فضلوا وأضلوا. قوله: ((طوبى لمن قتلهم)) أصله فعلي من الطيب، فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واواً، والمعنى أصاب خيراً من قتلهم؛ فإنه غاز وإن قتلوه فإنه شهيد.

قوله: ((وليسوا منا في شيء)): ((شف)): هذا القول بعد قوله: ((يدعون إلي كتاب الله)) إرشاد إلي شدة العلاقة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين كتاب الله، وإلا فمقتضى التركيب: ليسوا من كتاب الله في شيء. أقول: ولو قيل: ليسوا من كتاب الله في شيء، أوهم أن يكونوا جهالا ليس لهم نصيب من كتاب الله قط كأكثر العوام. وقوله: ((ليسوا منا في شيء)) يدل علي أنهم ليسوا من عداد

<<  <  ج: ص:  >  >>