للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

طهرني فقال: ((ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه)) قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله! طهرني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((فيم أطهرك؟)) قال: من الزنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبه جنون؟)) فأخبر أنه ليس بمجنون. فقال: ((أشرب خمراً؟)) فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر. فقال: ((أزنيت؟)) قال: نعم فأمر به فرجم، فلبثوا يومين، أو ثلاثة، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((استغفروا لماعز بن مالك، لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم)) ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد، فقالت: يا رسول الله طهرني.

ــ

غَيْرَ بَعِيدٍ} أي غير زمان بعيد، كقولك: عن قريب. قوله: ((ويحك)) ((نه)): ويح كلمة ترحم وتوجع، يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، وقد تقال بمعنى المدح والتعجب، وهي منصوبة علي المصدر، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف، يقال: ويح زيد ويحاً له وويح له. قوله: ((فيم أطهرك)) وفي نسخ المصابيح ((مم أطهرك؟)) والرواية الأولي في صحيح مسلم وكتاب الحميدي. ((مح)): ((فيم)) بالفاء والياء التحتإنية بنقطتين في جميع النسخ وهو صحيح، وفيه معنى التسبب.

أقول: ((ما)) يسأل بها عن عموم الأحوال، و ((من)) الابتدائية في الجواب مضمن معنى السبب، لأنها لإنشاء الابتداء، فخصت ((ما)) به لتطابقها، كأنه قيل: في أي سبب أطهرك؟ فأجاب بسبب الزنا، ونظيره في المعنى قوله تعالي: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} لأن في قوله: ((من رب السموات)) معنى المالكية، كأنه قيل: لمن السموات والأرض؟ قوله: ((فاستنكه)) الجوهري: استنكهت الرجل فنكه في وجهي ينكه نكهاً، أمرته بأن ينكه ليعلم أشارب هو أم غير شارب؟ والنكهة ريح الفم.

قوله: ((لو قسمت بين أمتي لوسعتهم)) أي لكفتهم سعة، يعني توبة تستوجب مغفرة ورحمة تستوعبان جماعة كثيرة من الخلق، يدل عليه قوله في الغامدية: ((لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له)). فإن قلت: فإذن ما فائدة قوله صلى الله عليه وسلم: ((استغفروا لماعز؟)) قلت: فائدة قوله: {إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ - إلي قوله - واسْتَغْفِرْهُ} وقوله تعالي: {إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} فإن الثاني طلب مزيد الغفران وما يستدعيه من الترقي في المقامات والثبات عليها، ومنه قوله تعالي: {واسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ} وقوله: ((إنها حبلي)) جملة مستأنفة بيان لموجب قياسها علي حال ماعز، والعلة غير جامعة، فكأنها قالت: إني غير متمكنة من الإنكار بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>