للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٦٩٥ - وعن زياد بن كسيب العدوي، قال: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب، وعليه ثياب رقاق. فقال أبو بلال: انظروا إلي أميرنا يلبس ثياب الفساق. فقال أبو بكرة: اسكت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب. [٣٦٩٥]

ــ

((ومن دعا بدعوى الجاهلية)) عطف علي الجملة التي وقعت مفسرة لضمير الشأن؛ للإيذان بأن التمسك بالجماعة وعدم الخروج عن زمرتهم من شأن المؤمنين، والخروج من زمرتهم من هجيري الجاهلية، كما قال صلوات الله عليه: ((من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)) فعلي هذا ينبغي أن تفسر دعوى الجاهلية بسننها علي الإطلاق؛ لأنها تدعو إليها، وهو أحد وجهي ما قال القاضي، والوجه الآخر أن الدعوى تطلق علي الدعاء وهو النداء، والمعنى من نادى في الإسلام بنداء الجاهلية، وهو أن الرجل منهم إذا غلب عليه خصمه، نادى بأعلي صوته قومه يا آل فلان! فيبتدرون إلي نصره ظالما كان أو مظلوماً جهلاً منهم وعصبية. وحاصل هذا الوجه يرجع أيضاً إلي الوجه السابق، وينصره ما روى في شرح السنة في آخر هذا الحديث: ((فادعوا المسلمين بما سماهم الله المسلمون المؤمنون عباد الله)).

قوله: ((قيد شبر)) ((قض)): أي قدره، يريد به أي قدر خالف وانحرف عن الجماعة وخرج عن وافقتهم. و ((الربق)) بالكسر حبل فيه عدة عرى يشد به إليهم الواحدة من تلك العرى ربقة، شبه ذمة الإسلام وعهده بالربقة التي تجعل في أعناق البهائم، من حيث أنه يقيده فيمنعه أن يتخطى حدود الله ويرتع مراتع حرماته. والمعنى أن من فارق الجماعة بترك السنة وارتكاب البدعة ولو بشيء يسير، نقض عهد الإسلام ونزع اليد عن الطاعة.

أقول: لما شبه صلوات الله عليه الإمام بالراعي، وسوء مراعاته الرعية بالحطمة في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن شر الرعاء الحطمة)) ضرب في هذا الحديث مثلاً للرعية بـ ((البهم)) التي جمعها الربق في سلك واحد، فرشح الاستعارة بالقيد والشبر. وإنما قيل: ((أن يراجع)) علي صيغة المفاعلة دون بـ ((رجع))، إما مبالغة وإما أن يكون الرجوع من الجماعة ومن الخارج عنهم.

قوله: ((من جثي جهنم)) ((فا)): واحدتها جثوة بضم الجيم أي من جماعات جهنم، وهي في الأصل ما جمع من تراب أو غيره فاستعير للجماعة.

الحديث الثاني عن زياد: قوله: ((ثياب الفساق)) يحتمل أن تكون ثياباً محرمة من الحرير والديباج؛ لأن الغالب منها أن تكن رقاقاً، وأن لا تكون محرمة لكن لما كان لبس الثياب الرقاق من دأب المتنعمين لا المتقشفين، نسبه إلي الفسق تغليظاً، والظاهر هذا؛ لأن أبا بكرة

<<  <  ج: ص:  >  >>