للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلى الله عليه وسلم فقال: ((كلوا رزقا أخرجه الله إليكم، وأطعمونا إن كان معكم)) قال: فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله. متفق عليه.

٤١١٥ - وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه؛ فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء)). رواه البخاري.

ــ

الحالة واستحمدهم عليها فأمرهم بالأكل؛ ومن ثم صرح بقوله: ((رزقا)) ووصفه بقوله: ((أخرجه الله)) وعقبه بقوله: ((أطعمونا)).

((مح)): وإنما طلب صلى الله عليه وسلم منه تطييبا لقلوبهم ومبالغة في حله؛ وليعلم أنه لا شك في إباحته، وقصد به البركة في كونه طعمة من الله تعالى خارقة للعادة أكرمهم الله تعالى بها. وفيه استحباب للمفتي أن يتعاطى بعض المباحات التي يشك فيها المستفتي، إذا لم يكن فيه مشقة على المفتي. وكان فيه طمأنينة للمستفتي.

قوله: ((فأكلنا منه نصف شهر)) وفي رواية أخرى: ((قمنا عليه شهرا)) وفي أخرى: ((فأكل منه الجيش ثماني عشرة يوما)). ووجه الجمع أن من روى شهرا هو الأصل لأن معه زيادة علم، ومن روى دونه لم ينف الزيادة ولو نفاها لقدم المثبت. وقد ثبت عند الأصوليين أن مفهوم العدد لا حكم له فلا يلزم نفي الزيادة لو لم يعارضه إثبات الزيادة، فكيف وقد عارضه؟ فوجب قبول الزيادة، وقد مر ما يتعلق بأحكام هذا الحديث في الفصل الثالث من كتاب الصيد والذبائح.

الحديث الثاني عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((إذا وقع الذباب)) ((تو)): قد وجدنا لكون أحد جناحي الذباب داء والآخر دواء فيما أقامه الله تعالى لنا من عجائب خلقه وبدائع فطرته شواهد ونظائر، فمنها النحلة يخرج من بطنها الشراب النافع وينبت من إبرتها السم الناقع، والعقرب تهيج الداء بإبرتها، ويتداوى من ذلك بجرمها. وأما إتقاؤه بالجناح الذي فيه الداء على ما ورد في غير هذه الرواية، وهو في الحسان من هذا الباب؛ فإن الله تعالى ألهم الحيوان بطبعه الذي جبله عليه ما هو أعجب من ذلك، فلينظر المتعجب من ذلك إلى النملة التي هي أصغر وأحقر من الذباب كيف تسعى في جمع القوت؟ وكيف تصون الحب عن الندى باتخاذ الريعة على نشز من الأرض، ثم لينظر إلى تجفيفها الحب في الشمس إذا أثر فيه الندى، ثم إنها تقطع الحب؛ لئلا ينبت وتترك الكزبرة بحالها؛ لأنها لا تنبت وهي صحيحة، فتبارك الله رب العالمين. وأي حاجة بنا إلى الاستشهاد، على ما أخبر غنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، لولا الحذر من اضطراب الطبائع والشفقة على عقائد ذوي الأوضاع الواهية، وإلى الله اللجأ ومنه العصمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>