للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٥٨٥ - وعن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة، وقال: ((كل ثقة بالله، وتوكلا عليه)). رواه ابن ماجه. [٤٥٨٥]

٤٥٨٦ - وعن سعد بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا هامة ولا عدوى ولا طيرة. وإن تكن الطيرة في شيء ففي الدار والفرس والمرأة)) رواه أبو داود. [٤٥٨٦ٍ

ــ

الحديث الرابع عن جابر: قوله: ((ثقة بالله)) عن بعضهم: هو منصوب على الحال وصاحبها محذوف، أي كل معي واثقا بالله تعالى. انتهى كلامه. ويحتمل أن يكون هو من كلام الراوي حالا من فاعل ((قال))، وأن يكون مفعولا مطلقا، أي: كل، ثم استأنف بقوله: أثق ثقة بالله.

الحديث الخامس عن سعد: قوله: ((ولا طيرة)) ((تو)): الأصل في الطيرة هو التشاؤم بالطير على ما ذكر. ثم إنهم اتسعوا فيها على أن وضعوها موضع الشؤم. قوله: ((وإن تكن الطيرة)) ((مح)): قال الخطابي وكثيرون: هو في معنى الاستثناء من الطيرة، أي: الطيرة منهي عنها إلا في هذه الأشياء. أقول: ويحتمل أن يكون معنى الاستثناء على حقيقته، وتكون هذه الأشياء خارجة عن حكم المستثنى منه، أي الشؤم ليس في شيء من الأشياء إلا في هذه الأشياء كما ورد في رواية لمسلم: ((إنما الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار)). وفي رواية: ((الشؤم في الدار والمرأة والفرس)) وفي حديث أنس: ((ذروها ذميمة)) كما سيجيء.

ويحتمل أن ينزل على باب قوله تعالى: {ولا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ} وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لو كان شيء سابق القدر سبقته العين)). وقد سبق تقريره، وعليه كلام.

القاضي حيث قال: ووجه تعقيب قوله: ((ولا طيرة)) بهذه الشرطية يدل على أن الشؤم أيضا منفي عنها. والمعنى أن الشؤم لو كان له وجود في شيء، لكان في هذه الأشياء؛ فإنها أقبل الأشياء لها، لكن لا وجود له فيها فلا وجود له أصلا. انتهى كلامه.

فعلى هذا الشؤم في الأحاديث المستشهد بها محمول على الكراهية التي سببها ما في الأشياء من مخالفة الشرع أو الطبع، كما قيل: شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها، وشؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها ونحوهما، وشؤم الفرس أن لا يغرى عليه. وقيل: حرانها وغلاء ثمنها. فشؤمها عدم موافقتها له شرعا أو طبعا. ويؤيده ما ذكره في شرح السنة كأنه يقول: إن كان لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس لا يعجبه، فليفارقها بأن ينتقل عن الدار ويطلق المرأة ويبيع الفرس، حتى يزول عنه ما يجده في نفسه من الكراهة كما قال صلى الله عليه وسلم في جواب من قال: يا رسول الله! إنا كنا في دار كثر فيها عددنا إلى آخره: ((ذروها ذميمة)).

<<  <  ج: ص:  >  >>