للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقوى الرحمن فقال: مه؟ قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يارب! قال: فذاك)) متفق عليه.

ــ

((قض)): لما كان من عادة المستجير أن يأخذ بذيل المستجار به أو بطرف إزاره، وربما يأخذ بحقو إزاره- وهو مشده- تفظيعاً للأمر ومبالغة وتوكيداً في الاستجارة. وكأنه يشير به إلى أن المطلوب أن يحرسه ويذب عنه ما يؤذيه. كما يحرص ما تحت إزاره ويذب عنه، وأنه لاصق به لا ينفك عنه، فاستعير ذلك للرحم، واستعاذتها بالله من القطيعة. وإليه أشار بقوله: ((هذا مقام العائذ بك))، وهي أيضاً مجاز إدناء للمعنى المعقول، إلى المثال المحسوس المعتاد بينهم؛ ليكون أقرب إلى فهمهم وأمكن في نفوسهم.

((مح)): الرحم التي توصل وتقطع إنما هي معنى من المعاني، والمعاني لا يتأتى منها القيام ولا الكلام، فيكون المراد تعظيم شأنها وفضيلة واصلها وعظم إثم قاطعها.

أقول: القول الأول مبني على الاستعارة التمثيلية التي الوجه فهيا منتزع من أمور متوهمة للمشبه المعقول، فما كانت ثابتة للمشبه به المحسوس؛ وذلك أن شبهت حال الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة. والذب عنها من القطيعة بحال مستجير يأخذ بذيل المستجار به وحقو إزاره. ثم أدخل صورة حال المشبه في جنس المشبه به، واستعمل في حال المشبه ما كان مستعملا في حال المشبه به في الألفاظ بدلالة قرائن الأحوال. ويجوز أن تكون مكنية، بأن يشبه الرحم بإنسان مستجير بمن يحميه ويجيره ويذب عنه ما يؤذيه، ثم أسند على سبيل الاستعارة التخييلية ما هو لازم المشبه به من القيام؛ لتكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة، ثم رشحت الاستعارة بأخذ الحقو والقول.

وقوله: ((بحقوى الرحمن)): استعارة أخرى مثلها. والقول الثاني على الكناية الإيمائية. وهي أخذ الزبدة والخلاصة من مجموع الكلام من غير نظر إلى مفردات التركيب حقيقتها ومجازها.

الكشاف)) في قوله تعالى: {والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه} الغرض من هذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه تصوير عظمته والتوقف على كنه جلاله لا غير، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز. ثم قال: ولا ترى بابا في علم البيان أدق ولا ألطف من هذا الباب، ولا أنفع ولا أعون على تعاطي تأويل المتشابهات من كلام الله في القرآن وسائر الكتب السماوية وكلام الأنبياء! فإن أكثره وأغلبه تخيلات قد زلت فيها الأقدام قديماً وحديثاً. والله أعلم بالصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>