للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٥١٦٣ - وعن عمرو بن عوف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فو الله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم)) متفق عليه.

ــ

أعماله. والثاني مثال المؤمن الظالم لنفسه المنهمك في المعاصي. والثالث مثال المقتصد.

والرابع مثال السابق الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة، كما قال: ((من أراد الآخرة ترك زينة الدنيا)) وهذا الوجه يفهم من الحديث وإن لم يصرح به، وفي كلام الشيخ محيي الدين إشعار بهذا التقسيم.

قوله: ((فمن أخذه بحقه)) أي باحتياجه وحله ووضعه في حقه بأن أخرج منه حقه الواجب فيه شرعا كالزكاة، فنعم المعين هو لصاحبه، يبلغ به الخير وينجو به من الشر. قال الشيخ أبو حامد: مثال المال مثال الحية التي فيها ترياق نافع وسم يافع، فإن أصابها المغرم الذي يعرف وجه الاحتراز عن شرها وطريق استخراج ترياقها النافع، كانت نعمة. وإن أصابها السوادي الغبي فهي عليه بلاء مهلك، انتهى كلامه.

وقوله: ((كالذي يأكل ولا يشبع)) ذكر في مقابلة قوله: ((فنعم المعونة)) ومعناه: أن أخذ المال بغير حقه بأن جمعه من الحرام ومن غير احتياج إليه، ولم يخرج منه حقه الواجب فيه، فيكون ذلك وبالا عليه لا معونة له، فيصير كالداء العضال الذي يهلك صاحبه وهو الحرص الباعث على من به جوع كالكلب، فإن مصيره إلى الهلاك. وقوله: ((ويكون شهيداً عليه)) أي حجة عليه يوم القيامة يشهد على حرصه وإسرافه، وأنه أنفقه فيما لا يرضاه الله تعالى ولم يؤد حقوقه.

الحديث التاسع عن عمرو رضي الله عنه: قوله: ((ولكن أخشى عليكم)). فإن قلت: ما الفائدة في تقديم المفعول في القرينة الأولى دون الثانية؟ قلت: فائدته الاهتمام بشأن الفقر؛ لأن الأب المشفق إذا احتضر إنما يكون اهتمامه بشأن الولد ضياعه، وإعدامه المال، كأنه صلى الله عليه وسلم يقول: حالي معكم خلاف حال الولد؛ فإني لا أخشى الفقر كما يخشاه الوالد، ولكن خوفي من الغنى الذي هو مطلوب الوالد للولد.

ثم التعريف في الفقر إما أن يكون للعهد، فهو الفقر الذي كانت الصحابة عليه من الإعدام والقلة، والبسط هو ما يبسط الله تعالى عليهم من فتح البلاد. وإما للجنس وهو الفقر الذي يعرفه كل أحد ما هو، والبسط الذي يعرفه كل أحد، ونظيره ما فسر به قوله تعالى: {فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا}.

<<  <  ج: ص:  >  >>