للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

((لا، اقدروا له قدره)). قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ قال: ((كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم، فيدعوهم فيؤمنون به، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى، وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله: فينصرف عنهم،

ــ

منه استمالة لقلوب أمته، وتثبيتهم على ما يعاينونه من شر الدجال، وتوطينهم على ما هم فيه من الإيمان بالله تعالى والاعتقاد به، والتصديق بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

((تو)): ويشكل من هذا الفصل قوله صلى الله عليه وسلم: ((يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة)) مع قوله: ((وسائر أيامه كأيامكم)) ولا سبيل إلى تأويل امتداد تلك الأيام على أنها وصفت بالطول والامتداد؛ لما فيها من شدة البلاء وتفاقم البأساء والضراء؛ لأنهم قالوا: ((يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا)) ... الحديث.

فنقول وبالله التوفيق ومنه المعونة: وقد تبين لنا بإخبار الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: أن الدجال يبعث معه من الشبهات، ويقبض على يديه من التمويهات ما يسلب عن ذوي العقول عقولهم، ويخطف من ذوي الأبصار أبصارهم، فمن ذلك تسخير الشياطين له، ومجيئه بجنة ونار وإحياء الميت على حسب ما يدعيه, وتقويته على من يريد إضلاله تارة بالمطر والعشب، وتارة بالأزمة والجدب. ثم لا خفاء بأنه أسحر الناس، فلم يستقم لنا تأويل هذا القول إلا بأن نقول إنه يأخذ بأسماع الناس وأبصارهم، حتى يخيل إليهم أن الزمان قد استمر على حالة واحدة، إسفار بلا ظلام وصباح بلا مساء، ويحسبون أن الليل لا يمد عليهم رواقه، وأن الشمس لا تطوي عليهم ضياءها، فيقعون في حيرة والتباس من امتداد الزمان، وتدخل عليهم الدواخل باختفاء الآيات الظاهرة في اختفاء الليل والنهار، فأمرهم أن يجتهدوا عند مصادفة تلك الأحوال ويقدروا لوقت كل صلاة قدرها إلى أن يكشف الله عنهم تلك الغمة، هذا الذي اهتدينا إليه من التأويل، والله الموفق لإصابة الحق.

((مح)): قالوا: هذا على ظاهره، وهذه الأيام الثلاثة طويلة على هذا القدر المذكور في الحديث، يدل عليه قوله: ((وسائر أيامه كأيامكم)). وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((اقدروا له قدره)) فقال القاضي وغيره: هذا حكم مخصوص بذلك اليوم، شرعه لنا صاحب الشرع. قالوا ولولا هذا الحديث ووكلنا إلى اجتهادنا، اقتصرنا على الصلوات عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام. ومعناه: إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر في كل يوم، فصلوا الظهر، ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر، فصلوا العصر، فإذا مضى بعدها قدر ما يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>