للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٨٤٤ - وعن عائشة، أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس،

ــ

الإنسان من الشيء المخيف وهو قريب من الفزع، والرعب والانقطاع من امتلاء الخوف، والرعب يتعدى ولا يتعدى يقال: رعبته فرعب.

((قض)): رعبًا نصب على المفعول لأجله.

الحديث السابع عن عائشة رضي الله عنها:

قوله: ((مثل صلصلة الجرس)) يجوز أن يكون مفعولا مطلقًا، والأحسن أن يكون حالا، أي يأتيني الوحي مشابهًا صوته لصلصلة الجرس، والصلصلة صوت الحديد إذا حرك، يقال: صل الحديد وصلصل.، والصلصلة أشد من الصليل.

((تو)): هذا الحديث يغالط فيه أبناء الضلالة ويتخذونه ذريعة إلى تضليل العامة وتشكيكهم، وهو حق أبلج ونور يتوقد من شجرة مباركة يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار، لايغلط فيه إلا من أعمى الله قلبه، وجملة القول في هذا الباب أن نقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم معنيًا بالبلاغ مهيمنًا على الكتاب مكاشفًا بالعلوم الغيبية، مخصوصًا بالمسامرات العلية، كان يتوفر على الأمة حصتهم بقدر الاستعداد، فإذا أراد أن ينبئهم بما لا عهد لهم به من تلك العلوم صاغ لها أمثلة من عالم الشهادة ليعرفوا مما شاهدوه ما لم يشاهدوه، فلما سأله الصحابة عن كيفية الوحي وكان ذلك من المسائل العويصة والعلوم الغريبة التي لا يميط نقاب التعري عن وجهها لكل طالب ومتطلب، وعالم ومتعلم ضرب لها في الشاهد مثلا بالصوت المتدارك الذي يسمع ولا يفهم منه شيء، تنبيهًا على أن إتيانها يرد على القلب في لبسة الجلال وأبهة الكبرياء، فيأخذ هيبة الخطاب حين ورودها بمجامع القلب، ويلاقى من ثقل القول ما لا علم له بالقول مع وجود ذلك، فإذا سرى عنه وجد القول بينًا ملقى في الروع واقعًا موقع المسموع، وهذا معنى قوله: ((فيفصم عني وقد وعيت)).

ومعنى: ((يفصم)) يقلع عني كرب الوحي، شبهه بالحمى إذا فصمت عن المحموم، يقال: أفصم المطر أي أقلع.

وهذا الضرب من الوحي شبيه بما يوحى إلى الملائكة على ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا قضى الله في السماء أمرًا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنها [سلسلة] على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير)).

وقد تبين لنا من حديث عائشة رضي الله عنها أن الوحي كان يأتيه على صفتين:

أولاهما: أشد من الأخرى، وذلك لأنه كان يرد فيها من الطباع البشرية إلى الأوضاع

<<  <  ج: ص:  >  >>