للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منفياً عنه من آخر والكلام في إطلاقه عليه أو سلبه عنه مسألة فقهية بيانها في شرح الحديث. قوله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} (١) قال جويرية (٢) بن أسماء سمعت مالكاً يقول وأسنده: (يرحم الله إبراهيم نحن أحق بالشك منه حين قال {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى}) قال (ويرحم الله لوطأ كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي (٣)) قال القاضي ابن العربي رضي الله عنه هذا حديث صحيح خرجه الأئمة من كل صنف واجتنب بعضهم لفظة الشك فقالوا نحن أحق بإبراهيم استعظاماً لذكرها (٤) وهي عبادة لا يستعظم ما يذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نفسه إلَّا أن يكون لم يصح عنده فله في ذلك أبلغ العذر وقد أتقنا القول على هذا الحديث في المشكلين وغيره بما لبابه أن الشك هو تجويز أمرين في القلب لا مزية لأحدهما على الآخر فإن كان فيما يتعلق بالله مما يجب له أو يستحيل فذلك كفر لا يليق بالأنبياء صلوات الله عليهم وإن كان هذا التردد فيما يجوز من فعله ويتصرف على العباد من حكمه فمنه ما أعلم الأنبياء به ومنه ماحبسه عنهم.

فأما جواز إحياء الموتى فهو معنى معقول جائز لم يحبس الله علمه عن الأنبياء ولا شك فيه أحد منهم في حال من الأحوال لأن الله عَزَّ وَجَلَّ صرح به لهم وكرره عليهم وجعله أصلاً في معرفتهم به وأصلاً لجميع أفعاله ولذلك قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} (٥) يعني بالحشر للثواب والعقاب وهو معنى قوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} (٦) فأما كيفية إحياء الخلق بجمع أجزائهم


(١) سورة البقرة آية (٢٦٠).
(٢) جويرية تصغير جارية ابن أسماء بن عبد الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة البصري صدوق من السابعة مات سنة ثلاث وسبعين (ومائة) خ م دس دق التقريب ص ١٤٣ وانظرت ت ٢/ ١٢٤.
(٣) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء باب قول الله عز وجل: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (٥١) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ} ٤/ ١٧٩ ومسلم في كتاب الإيمان باب طمأنينة القلب بظاهر الأدله ١/ ١٣٣ من رواية أبي هريرة.
(٤) قال القاضي عياض لم يشك إبراهيم بأن الله يحيي الموتى ولكن أراد طمأنينة القلب وترك المنازعة لمشاهدة الإحياء فتحصل له العلم الأول بوقوعه. وأراد الثاني بكيفيته ومشاهدته ويحتمل أنه سأل زيادة اليقين وإن لم يكن في الأول شك لأن العلوم قد تتفاوت في قوتها فأراد الترقي من علم اليقين إلى عين اليقين. فتح الباري ٦/ ٤١٣.
(٥) سورة الحجر آية (٨٥).
(٦) سورة المؤمنون آية (١١٥).

<<  <   >  >>