للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال إن قول الله عَزَّ وَجَلَّ لا يختلف لأن قوله واحد من رب واحد والعلماء الراسخون في العلم ردوا تأويل المتشابه إلى ما علموا من المحكم الذي ليس له إلَّا تأويل واحد فاتسق بقولهم الكتاب وقامت به الحجة وظهر العذر وزاغ الباطل (١) (٢) وهو كلام صحيح قد جرى في أسلوب التحقيق وبلغ الغاية من التدقيق بسطه وإيضاحه أن الله تعالى قال {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} فقسم الآيات على قسمين أماً وبنتاً وإنما قلنا وبنتاً لأن الأم من الأسماء الاضافية للضرورة فمن أراد أن يعرف نسب البنت ردها إلى الأم والقرآن كله محكم وكله متشابه ومنه آيات محكمات وآيات متشابهات وذلك كله بمعان مختلفات.

أما كونه كله محكماً فبحسن الرصف وبديع الوصف وغاية الجزالة ونهاية البلاغة وقلة الحروف وكثرة المعاني وعنه وقع البيان بقوله عَزَّ وَجَلَّ {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} (٣) وأما كونه متشابهاً كله فباستوائه في هذه المعاني التي فصلنا لا تقصير ولا فضول ولا حشو ولا تعارض ولا تناقض كما قال الله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (٤) وعنه أخبر عَزَّ وَجَلَّ بقوله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} (٥) وأما كونه على قسمين منه محكم ومنه متشابه فالمراد منه جلي في البيان ومنه خفي ولو شاء ربنا سبحانه لجعله على مرتبة واحدة في الجلاء والبيان ولكنه قسم الحال فيه لما سبق من علمه في تقسيمه الخلق إلى عالم وجاهل ومستوفي وناقص وتفضيلهم في درك المعارف كما قال عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (٦) فأخبر عز وجل أنه يرفع بالإيمان درجة ويرفع بالعلم معه أخرى والذي لا يعلم تأويله يقتصر على الإيمان به والتصديق له والتسليم به في علم الله سبحانه.

والراسخ في العلم ينظر فيه ويقرن المتشابه بالمحكم فما وافق المحكم من احتمال المتشابه قال (٧) به وما خالفه أسقطه وإن احتمل الأمر عنده بعد ذلك عضده بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -


(١) إلى هنا انتهى كلام ابن اسحاق انظر الإحالة السابقة.
(٢) في ج زيادة وهذا لفظه.
(٣) سورة هود آية (١).
(٤) سورة النساء آية (٨٢).
(٥) سورة الزمر آية (٢٣).
(٦) سورة المجادلة آية (١١).
(٧) في ج تأوله.

<<  <   >  >>