للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من المعصيةِ في غيرها وكما تضاعف الحسنات في البقاع الشريفة والأزمنة الشريفة كذلك تضاعفت السيئات، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ ...} (١) الآية. وقال تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} (٢) وإن أراد السائِل أي الأعمال فيهما أفضل ثواباً؟ قلنا له: ما لم يعين للعمل بُقعة من مكة أو المدينة، فالفضل في ذلك سواء، إلَّا للسكنى كما بيناه، فالسكنى في المدينة أفضل، وان أراد بقوله أيهما أفضلِ في المحبةِ؟ فالمدينة أحبَّ إلينا من مكة إقتداءَ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حين قالت له عائشة. إني دخلتُ على عامرٍ ابن فهيرة، فوجدته قد وعك وهو يقول: قد رأيتُ الموتَ قبلَ ذوقه، إنَّ الجبانَ حتفه من فوقه. ودخلتُ على أبي بكر وقد وعَك وهو يقول: كلُ امرءٍ مصبَّحٌ في أهلِه، والموتُ أدنى من شراكِ نعله. ودخلتُ على بلالٍ وقد وعَك وهو يقول: ألا ليت شِعْرِي. هل أبيتنَّ ليلةً إلى آخر البيتين. فأخبرتُ بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وانقل حماها واجعلها بالجحفة) (٣)، وقال - صلى الله عليه وسلم -، وقد طلع على أُحُد فقال (هذا جبلٌ يحبُنا ونحبُه) (٤)، فأما محبته - صلى الله عليه وسلم - للجبل فمعقولة، وأما محبة الجبل له فخفية. قال العلماء: معناه ويحبنا أهله على حذف المضافِ وإقامة المضاف إليه مقامه، وقيل تكلمَ على عادة العربِ في الإخبارِ عن العزيز بخبر العزيز (٥) كما قال الشاعر:

وأجهشت للتباد حين رأيتُه ... وكبر للرحمن حينَ رآني

فقلتُ له أينَ الذينَ عهدتهم ... حواليك في أمنٍ وخفضِ زَمانِ


(١) سورة الحج آية (٢٥).
(٢) سورة التوبة آية (٣٦).
(٣) الموطأ ٢/ ٨٩٠ والبخاري في مناقب الأنصار باب مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المدينة ٥/ ٨٣ ومسلم في الحج باب الترغيب في سكنى المدينة (١٣٧٦) من حديث عائشة وفيه قال بلال:
ألا ليث شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي أذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل تبدون لي شامة وطفيل
(٤) هو بهذا اللفظ رواه مالك في الموطأ ٢/ ٨٩٣ من حديث هشام بن عروة عن أبيه وهو مرسل ولكنه ورد موصولاً عند غيره من حديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلع له أحد فقال (هذا جبل يحبنا ونحبه ..) الموطأ ٢/ ٨٨٩ والبخاري في الجهاد باب الخدمة في الغزو ٤/ ٤٢ ومسلم في الحج (١٣٩٣) والترمذي في المناقب (٣٩٢٢).
(٥) قال النووي قيل معناه يحبنا أهله وهم أهل المدينة ونحبهم والصحيح أنه على ظاهره وأن معناه يحبنا هو نفسه وقد جعل الله فيه تمييزاً. شرح النووي على مسلم ٩/ ١٦٣.

<<  <   >  >>