للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجد الشيطان منفذًا ولو كانت الفرجة التي تحته ذراعًا في عشرةٍ وكذلك إذا أوكأت السقاء، ولو أن تعرضَ عليه عودًا، فإنه يكون ذلك العود في حقه كالقفل العظيم، وأما إطفاء النار فإنها عدو لنا حالَ الله بيننا وبينها، وإنما أعطينا منها في الدنيا بمقدار الحاجة برسم التذكرة، كما قال تعالى: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ} (١) كأنه قال تعالى لنا هذا عدوّك فسخّره واحترز منه ومن أعوانِ هذا العدوّ الفسَّاق، كالفأر وغيره، فإذا أطفأت المصباح لم يجد الفاسق سببًا. حديث أبي هريرة في سقي الكلب العاطش (٢) ومثله في الصحيح: أن بغيًا من بغايا بني إسرائيل رأت كلبًا يأكل الثرى من العطش فنَزَعَتْ موقها فسقته، فغفر الله لها (٣) اختلف الناس في تأويله فمنهم من قال إنما كان الغفران لهذا المذنب بأن وفقه الله تعالى بعد ذلك للتوبة، فكان هذا الفعل سببًا لأن رزق التوبة، والتوبةُ سببًا للمغفرة، ومنهم من قال إن هذا الفعل بنفسه كفَّر (٤) الزنى بعظمه لأن الله تعالى إذا كانت له في العبد إرادة سبقت له عنده عناية ضاعف له الحسنات، حتى تغلب السيئات حتى تكون كالجبل العظيم كما في الحديث الصحيح، وليس يمتنع أن ضوعف لهذا الأجر حتى وازي الزنا، فضلًا من الله تعالى. وقيل بل وازاه بنفسه لأن فيه إحياء نفس. حديث أبى عُبيدة في الحوتِ (٥)، زاد فيه مسلم فائدة هي في معناه (٦)، وقد قدمناها،


(١) سورة الواقعة آية (٧٣).
(٢) (بينما رجل يمشي بطريق إذ اشتد عليه العطش فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب وخرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له) الموطأ ٢/ ٩٢٩، ورواه البخاري في كتاب الشرب باب فضل سقي الماء ٣/ ١٤٦، ومسلم في كتاب السلام باب فضل ساقي البهائم حديث (٢٢٤٤).
(٣) مسلم في الباب السابق حديث (٢٢٤٥).
(٤) في ك لغي الزنا.
(٥) الموطأ ٢/ ٩٣٠ مالك عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله إنه قال بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثًا قبل الساحل فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم ثلاثمائة قال وأنا فيهم، قال: خرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع ذلك كله فكان من ودي تمر قال: فكان يقوتناه كل يوم قليلًا قليلًا حتي فني ولم تصبنا إلا تمرة تمرة فقلت: وما تغني تمرة فقال: لقد وجدنا فقدها حتى فنيت، قال: ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت مثل الظرب فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة ثم أمر أبو عبيد بضلعين من اضلاعه فنصبا ثم أمر براحلة فرحلت ثم مرت من تحتهما لم تصبهما، وأخرجه البخاري في كتاب الشركة باب الشركة في الطعام والنهد، ٣/ ١٧٩، ومسلم في كتاب الصيد والذبائح باب إباحة ميتة البحر حديث (١٩٣٥).
(٦) زاد مسلم (قال أبو عبيدة ميتة ثم قال لا بل نحن رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي سبيل الله وقد اضطررتم فكلوا, =

<<  <   >  >>