للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المقصود معنى المنّ (١) أو ما يعُمّ وقال أبو حنيفة والشافعي يبيعه ويأكل ثمنه وهذه فتوى يهوديّة (٢). حديث: قال عيسى ابن مريم: (يا بني إسرائيل عليكم بالماءِ القراح) (٣) إلى آخره. خلق الله تعالى لابن آدم حاجةً إلى الطعام والشراب وركَّب له الشهوة أكثر من الحاجة وندبه إلى ترك الشهوات والاقتصار على المقدار المحتاج إليه مقدارًا وصفةً، لباسًا ومطعمًا فلا يأكلن كثيرًا ولا يلبسنَّ رقيقًا، ولذلك قال في الحديث (حسب ابن آدم لقيماتٍ يقمَن صلبه) (٤) وندبَ إلى الاقتصار على جلف (٥) الخبز والماء ولو أن الخلق بأجمعهم ينتدبون إلى ما ندبوا إليه من ذلك لهلكوا لأنها كانت تذهب القوة التي تكونُ بها عمارة الدنيا، وإقامة معاش الخلق فيها وإشباعهم فلم يكن بدّ من الزيادة في الأكل وجودًا لإقامة الدنيا وتهيئة أسبابها ولم يكن بدّ من الاقتصار على القليل لإقامة السنة ولتضعيف الشهوة حتى تستتر المعصية، وتظهر الطاعة ولما انتهى العلم والحكمة إلى هذا القدر قسم الله تعالى الخلق قسمين، قسمًا يسَّر لهم التقليل والطاعة، وقسمًا سخَّره للكثرة وقدَّر عليه المعصية وأمرَ الأنبياء عيسى ومحمداً وسواهما أن يندبوا الخلقَ في الجملة ثم يظهر بالتيسير من أرادَ الله بهِ العصمة ويظهر بالتسخير من قدَّر الله تعالى أن يقَع في الورطة وقول عيسى عليه السلام فإنكم لن تقوموا بشكره كلام صحيح، فإن شدة الجوع وستر العورة على الإطلاق والجملة بأول درجات الحاجة نعمة عظيمة، إذا أراد المرء أن يعلم مقدارها فلينظرها في سواه، وليقدرها في نفسِه، فكيف أن يضم إلى ذلك الإسراف حتى تنكسر الشهوة في لذة الطعام، وفي زينة اللباس وإذا استرسل على ذلك هَلك ولم يتأت له أملٌ، فإنه أمد لا غاية له ولهذا


= والله لا لبست هذا الثوب غدًا أو لا لبسته يوم الجمعة أو لا لبسته بمكة أو لا لبسته راكبًا تعلق المنع بذلك الوقت أو بذلك المكان أو بتلك الصفة فإن فعله على شيء من ذلك حنث وإن فعله في غير ذلك الوقت أو في غير ذلك المكان أو على غير تلك الصفة لم يحنث لأن يمينه لم يتناول ذلك ولا صفته. المنتقى ٣/ ٢٤٣.
(١) في ج المميز.
(٢) هذا تحامل شديد منه رحمه الله على هؤلاء الأئمة الأجلاء وما كان ينبغي له ذلك.
(٣) مالك إنه بلغه أن عيسى ابن مريم كان يقول: (يا بني إسرائيل عليكم بالماء القراح والبقل البري وخبز الشعير وإياكم وخبز البر فإنكم لن تقوموا بشكره)، الموطأ ٢/ ٩٣٢.
(٤) رواه الترمذي (٢٣٨٠) من حديث المقدام بن معدي يكرب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطن بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان ولا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه)، قال الترمذي حسن صحيح ورواه ابن ماجه انظر صحيح ابن ماجه ٢/ ٢٣٧، وأحمد في المسند ٤/ ١٣٢، والحاكم في المستدرك ٤/ ١٢١.
(٥) وهي الكسرة من الخبز اليابس القفار. مختصر القاموس ص ١١٠ ترتيب القاموس ١/ ٥١٧.

<<  <   >  >>