للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإِسلامية، وتستخرج الحقوق وتحمي البيضة، وسائر الخصال غير الإِمام العادل في الحديث تخص صاحبها.

[باب الرؤيا]

هو فصلِ كبير من الحقائِق، وأمر مشكل على الخلائقِ وهو ما يراة النائم في منامِه، تقؤل رأيتُ رؤية، إذا عاينت ببصرك، ورأيت رؤيًا إذا اعتقدت شيئًا في قلبك، ورأيت رؤيا إذا رأيت شيئًا في منامك، وقد تستعمل الرؤيا مصدرًا في اليقظةِ كما قال الراعي:

وكبّر للرؤيا وهاش فؤاده ... وبشَّرَ نفسًا كان قبل يلومها (١)

والأبيات قبله تدلُّ على أنها رؤية اليقظةِ، واختلفَ الناسُ فيها فمنهم من أفرط، ومنهم من فرّط، ومنهم من استوى واقتصرَ وقد بينا ذلك في شرح المشكلين، ومحاسِن الإحسان على الاستيفاء والاستيعاب فلينظر هناك ويكفي الآن على هذا الاستعجال أن صالحَ المعتزلي (٢) قالَ: إن رؤية المنام من رؤية العين، وقال آخر هي رؤية بعينين في القلب يبصرُ بهما، وأذنين في القلبِ يسمع بهما، وقالت المعتزلة: هي تخايل لا حقيقة لها ولا دليل فيها وقال علماؤنا هي حق وبشرى ودليل من الله تعالى اتفقت عليه الأمم من العرب والعجم ووجدت حقيقة وأدركت بالتجربةِ والمعتزلة في انكارها جارية على أصلها في التَخيل على العامةِ بإنكار كل ما قرر الشرع من أصلِ كإنكار الجن وأحاديثها، والملائكة وكلامها وأن جبريل لو كلمَ محمَّدًا بصوتِ كصَلْصلةِ الجرس لسمعه الحاضرون فهم ينكرون حقائق النبوّة فكيف دقائق الرؤيا وأما علماؤنا بعد أن قالوا إنها حق، فاختلفوا في تفسيرها على ثلاثة أقوالِ:

قال القاضي: هي خواطر واعتقادات وقال الأستاذ أبو بكرٍ هي أوهَام وذلك قريب من الأول وقال الأستاذ أبو إسحاق هو إدراك بأجزاءٍ لم تحلها آفة النوم، وقال القاضي إذا وَجَدها النائم فلا يخلو أن تعمل (٣) كما قالت المعتزلة أو تضاف إلى النَائم أو إلى الشيطان أو


(١) انظر البيت في لسان العرب ٦/ ٣٦٥.
(٢) هو صالح قبة تلميذ النظام أبو جعفر محمَّد بن قبة من متكلمي الشيعة وهو من الطبقة السابعة عند المعتزلة وله كتب كثيرة خالف الجمهور في أمور منها كون المتولدات فعل الله ابتداء وكون الإدراك معنى هكذا ذكر عنه صاحب الفرق وطبقات المعتزلة ٧٨ وانظر الفصل في الملل والأهواء والنحل ٥/ ٧١، وقد رد ابن حزم على مقولة صالح قبة هذه في الملل والنحل ٥/ ١٢٣.
(٣) في م تهمل.

<<  <   >  >>