للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما جاء في البيعة (١)

عقدَ مالك رضي الله عنه هذا الباب لأنه أعظم عقودِ الإِسلام التي أمر الله تعالى بالوفاء بها فقال: {أوفوا بالعقود ...} (٢) الآية وإذا عاقَدتَ صاحبك قولًا أو فعلًا أو إشارة تعين عليك الوفاء بذلك العقدِ فالقول هو أن تقول له أبايعك على كذا؛ ومعناه: أُعطيك ما عندي لتعطيني ما عندك. ومبايعةُ الله تعالى لفضله أن نعطيه أنفسُنا فيعطينا أنفس ما عنده، وهو البائع وهو المشتري، وهذه علامات وأمارات على ما سبق للعبدٍ وأما العقد بالفعلِ فهو أن يجمعهما طريق وهو الصَّاحب بالجنبِ في أحدِ التأويلين أو يجمعهما جوار، أو مجتمع خيرٍ كالمسجد أو حلقةِ الذكر أو طاعة كالجهاد والصلاة والحج وسائر أسباب الألفةِ الدينية، وقد قال تعالى مبينًا لذلك في مواضعٍ كثرة من كتابه. من أمهاتها قوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا ...} إلى قوله {وما ملكت أيمانكم} (٣) الآية وأما العقد بالإشارة فكنحو ما جاء في الحديث: (إذا حَدَّث الرجلُ والتفت فهي أمانة) (٤) فالالتفاتُ معاقدة من المحدثّ ودوام (٥) المجالسة رابط له إلى سائرِ الروابط التي بيناها في موضعَها من شرح الحديث والباب طويل، ؤهذه الإشارة تكفي فيه.

[الكلام في الكلام]

قد بينا في الأصول أن محلَ الكلام والعلمِ القلبُ، وأنّ هذه العبادات الدائرة على الألسن بتقطيع الحروف والأصوات عليه دليلٌ شرَّف الله به الآدمي، كما قال سبحانه مخبرًا عن هذه المنَّة {خلقَ الإنسان علمهُ البيان} (٦) الآية .. ثم لما خلقَهُ من حَمإٍ مسنونٍ


(١) الموطأ ٢/ ٩٨٢.
(٢) سورة المائدة آية (١).
(٣) سورة النساء آية (٣٦)، وانظر أقوال العلماء في تفسيرها في تفسير ابن كثير ١/ ٤٩٤، تفسير القرطبى ٥/ ١٨٨.
(٤) أبو داود (٤٨٦٨)، والترمذي في البر (١٩٥٩)، وقال حديث حسن وأحمد في المسند ٣/ ٣٢٤ و ٣٥٢ و ٣٧٩ و ٣٨٠ و ٣٩٤ وشرح السنة ١٣/ ١٩١ من حديث جابر.
(٥) في ج وم (ذمام).
(٦) سورة الرحمن آية (٣ - ٤).

<<  <   >  >>