للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما يعتاده المرء من الكذب، وقد كان بعضُ أصحابنا يقارفُ محرّمًا فولِّي الشرطة فأصبح في الدُيسْتِ (١) وحكم النهارَ، فلما جاء المساء استدعاه أحدُ نُدمائه للمعادة، فكتب اليهِ: أبا بكرٍ تركتُ الخمر لا عن كراهيةٍ فنفسي تشتهيها, ولكني كرهت أن أحيا بها وأقيم حَد الله فيها. فذو الوجهين معلوم بأن لا يكون كما رَويناهُ وجيهًا (٢).

بابُ عذاب العامة

ذكر حديث أم سلمة قالت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: (نعم إذا كثر الخبث) (٣)، وذكر قول عمر رضي الله عنه إن الله لا يُعذب العامة بذنب الخاصَّة ولكن إذا عمل المنكر جهارًا إستحقوا العقوبة كلهم (٤)، وإنما أُدْخِل قول عمر بعده لمعارضة مطلق الحديث لظاهر القرآن في قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (٥) وكذلك


(١) هذه كلمة أعجمية يقال: فلان حسن الدست أي شطرنجي حاذق، أساس البلاغة ص ١٢٩.
(٢) الحديث أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٩٩١، والبخاري في الأحكام باب ما يكره من ثناء السلطان وإذا خرج قال غير ذلك ٩/ ٨٩، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب باب ذم ذي الوجهين وتحريم فعله حديث (٢٥٢٦) (٩٨, ٩٩ , ١٠٠) من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من شر الناس ذر الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه).
(٣) الموطأ ٢/ ٩٩١ مالك إنه بلغه أن أم سلمة زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نعم، إذا كثر الخبث).
قال ابن عبد البر هذا الحديث لا يعرف لأم سلمة إلا من وجه ليس بالقوي يروى عن محمَّد بن سوقة عن نافع بن جبير بن مطعم عن أم سلمة وإنما هو معروف لزينب بنت جحش وهو مشهور محفوظ. شرح الزرقاني ٤/ ٤١٢.
قلت: الحديث متفق عليه من حديث زينب بنت جحش إنه - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فزعاً يقول: (لا إله إلَّا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجرج مثل هذه) وحلق بين اصبعيه الإبهام والتي تليها، قالت زينب ابنة جحش. فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم، إذا كثر الخبث). البخاري في كتاب الأنبياء باب قصة يأجوج ومأجوج ٤/ ١٦٨، ومسلم في الفتن باب اقتران الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج حديث (٢٨٨٠).
(٤) المراد بقوله هنا عمر هو ابن عبد العزيز فقد رواه مالك في الموطأ ٢/ ٩٩١ عن إسماعيل بن حكيم إنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: كان يُقال (إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة ...) قال الزرقاني وشاهده الحديث قبله (يعني حديث زينب السابق) وقوله تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} الزرقاني ٤/ ٤١٢.
(٥) سورة الأنعام آية (١٦٤).

<<  <   >  >>