للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جاءَ حاجبُه يرفأ (١) فقال: هل لك في عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص؟ قال: نعم. فإذن لهم فدخلوا وسلموا وجلسوا، ثم جلس يرفأ يسيرًا. فقال: هل لك في عليٍّ والعباس؟ قال: نعم. وأذنَ لهما فدخلا وسلما وجلسا وهما يختصمان في التي أفاء الله على رسوله من بني النضير، فاستبَّ علي وعباس. قال العباس: يا أميرَ المؤمنين أقضِ بيني وبين هذا الظالم الكاذب الغادر الآثم, فقال الرهط: يا أمير المؤمنين أقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر، فقال عمر رضي الله عنه: إبتدئوا، وروي نبدكم أنشدكم بالله الذي بِإذنه تقوم السموات والأرض، هل تعلمونَ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا نورثُ ما تركنا صدقة) يريد بذلك نفسه، قالوا: قد قالَ ذلك، فأقبل على عليٍّ وعباس رضي الله عنهما فقال: أنشدكما الله هل تعلمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك؟ قالا: نعم. قال مالك بن أوس: قال عمر رضي الله عنه: فإنِّي أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله قد خصَّ رسوله في هذا الفيء بشيءٍ لم يعطه أحدًا غيره، ثم قال: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} إلى قوله تعالى {قديرٌ} (٢) الآية فكانت هذه خالصة لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - والله ما احتازها دونكم، ولا استأثر بها عليكم، وقد أعطاكموه وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مالِ الله في السلاح والكراع عدة في سبيل الله فعمل فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حياته، أنشدكم الله هل تعلمون ذلك؟، قالوا: نعم، ثم قال لعليٍّ وعباسٍ: أنشدكما الله هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم، قال عمر رضي الله عنه: ثم توفي الله رسوله، فقال أبو بكرٍ: أنا ولي رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقبضَها أبو بكرٍ رضي الله عنه فعمل فيها بما عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنتما تزعمان أن أبا بكر فيها كان كاذبًا آثمًا غادرًا، خائنًا، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفي أبو بكر رضي الله عنه، فقلتُ: أنا ولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكرٍ فقبضتها سنتين من إمارتي أعمل فيها بما عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمل فيها أبو بكر والله يعلم إنه فيها لصادق بار راشدُ تابع للحق، جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد، جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك وجاءني, يريد عليّاً، يريدُ نصيبَ امرأته من أبيها، فقلتُ لكما: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا نورث ما تركنا صدقة)، فلما بدا لي أن أدفعها إليكما، على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها


(١) يرفأ علم على حاجب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه.
(٢) سورة الحشر آية (٦).

<<  <   >  >>