للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كتاب الجمعة]

الجمعة خصيصة فضَّل الله تعالى بها هذه الأمة على سائر الأمم. قال النبي، - صلى الله عليه وسلم -: "نَحْنُ الآخِرونَ السَّابِقونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهمْ أوتوأ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا الله لَهُ وَالْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصارى بَعْدَ غَدٍ". رواه مالك وغيره. ومعنى قوله بأيد يريد بقوة على أحد التفسيرين في قوله تعالى: {أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} (١). وروي بِيد أنهم، فإذا كان المروي بأيد فمعناه نحن السابقون بقوة أتانا الله إياها وفضلنا بها، وإذا كان المروي بَيْد (٢) فهو استثناء بمعنى غير أنهم سبقونا بإيتاء الكتاب وسبقناهم بالقبول فقالوا سمعنا وعصينا. وقلنا سمِعنا وأطعْنا وأدبروا وأقبلنا وقد بيّن ذلك النبيّ، - صلى الله عليه وسلم -، في حديث ابن عمر وأبي موسى واللفظ لأبي موسى رضي الله عنه قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أهْلِ الْكِتَابِ مِنْ قَبْلِكُمْ كمثل رَجُلٍ اسْتَأجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ: مَنْ


(١) سورة ص آية ٤٥.
قال ابن جرير: يعنىِ بالأيد القوة. يقول. أهل القوة على عبادة الله وطاعته، ويعني بالأبصار أنهم أهل أبصار القلوب يعي به أولي العقول للحق. وروي هذا التفسير عن ابن عباس. تفسير الطبري ٢٣/ ١٠٩.
(٢) أقول: لم أجد في الأصول المعزو لها قبل لفظة بأيد وإنما فيها بَيْدَ قال الحافظ ابن حجر: بموحدة ثم تحتانية ساكنة متل غَيْرَ وزناً ومعنى وبه جزم الخليل والكسائي، ورجحه ابن سيدة. وقد روى ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن الربيع عنه أن معنى بَيْدَ من أجل، وكذا رواه ابن حبان والبغوي عن المزني عن الشافعي، وقد استبعده عياض ولا بعد فيه بل معناه أنّا سبقنا بالفضل إذ هُدينا للجمعة تأخرنا في الزمان بسبب أنهم ضلّوا عنها مع تقدمهم .. إلى أن قال: وهي موطأ سعيد بن عفير عن مالك عن أبي الزناد بلفظ: ذلك بأنهم أوتوا الكتاب، وقال الداوب: هي بمعنى على أو مع، قال القرطبي: إن كانت بمعنى غير فنصب على الاستثناء، وإن كانت بمعنى منصب على الظرفية، وقال الطيبي: هي للاستثناء، وهو من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم، والمعنى: نحن السابقون للفضل غير أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ووجه التأكيد فيه ما أدمج فيه من معنى النسخ لأن الناسخ هو السابق في الفضل وإن كان متأخراً في الوجود. فتح الباري ٢/ ٣٥٤ - ٣٥٥.

<<  <   >  >>