للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما عن الشيوخ الذين أخذ عنهم بدمشق فيقول: صمدنا إلى دمشق وفيها جماعة من العلماء رأسهم شيخ الوقت سناء وسناً وعلماً وديناً نصر بن إبراهيم المقدسي النابلسي وأصحابه متوافرون، وهم على سبيل أهل الأرض المقدسة سائرون، وفي مدرجتهم سالكون وبتلك الدرجة متمكنون.

فلزمنا شيخنا نصر بن إبراهيم في السّماع وانتهينا إلى سماع كتاب البخاري، بعد تقدم غيره عليه، وكان يقرؤه علينا بلفظه لثقل سمعه. [قانون التأويل قسم التحقيق ص ٣٦ رسالة ماجستير لأخينا محمَّد السليماني].

قلت: وسيأتي أنه أخذ بدمشق عن عدة شيوخ غير نصر بن إبراهيم.

[توجهه إلى العراق]

غادر ابن العربي، مع والده، دمشق متوجهاً إلى بغداد منسلخ شعبان سنة (٤٨٩ هـ). وكانت بغداد، في ذلك الوقت، من أكبر مراكز العلم في العالم الإِسلامي، فكانت محط رحال العلماء من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب. أنشأ بها نظام الملك، الوزير السلجوقي ٤٨٦، المدرسة النظامية وافتتحت رسمياً سنة (٤٥٩ هـ) (١)، وقد جلب إليها من شيوخ العلم وحفّاظ الحديث مما أهَّلها لأن تصبح جامعة ذلك العصر.

ويصف القاضي رحلته من دمشق إلى بغداد بقوله:

خرجنا إلى العراق .. يوم الأحد منسلخ شعبان سنة (٤٨٩ هـ). فبينا نحن نقطع المفازة إلى ماء يقال له الأطواء أهلَّ علينا هلال رمضان فكبَّر الناس والتفت إليّ أبي، رحمه الله، يكبر بتكبيرهم فما صرفت بصري إليه كراهية في جهة المغرب التي كان بها وتشوقاً إلى جهة المشرق التي كنت أؤملها: [قانون التأويل، قسم التحقيق ص ٣٨].

أول درس سمعه بعد هذا الشوق الشديد إلى بغداد وعلمائها: بلغنا بغداد فنزلنا بها، وخرجت إلى جامع الخليفة يوم الجمعة فصلّيت وجلست إلى حلقة حسين الطبري (٢)، النائب في ولاية التدريس بالدار النظامية في ذلك الوقت. [قانون التأويل ص ٣٨ - ٣٩].

ويصوِّر ما شاهد هناك فيقول: اتصل بنا المسير إلى دار السلام فألفيت بها من رؤساء


(١) انظر وفيات الأعيان ١/ ٣٩٥، طبقات الشافعية لابن السبكي ٤/ ٢٠٩، المنتظم ٩/ ٦٤.
(٢) ستأتي ترجمته.

<<  <   >  >>