للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذ لا يثبت له ما يراه وإذا غاب عنه سهاه، وإن احتاج الصغير إلى الضبط فليدفعه إلى غيره، ولو كانت أمها زينب مشتغلة فغيرها كان فارغًا. فليس يثبت عند السير إلا أن الصلاة، في صدر الإِسلام، كانت تحتمل العمل والكلام ثم نسخ الله تعالى ذلك فلا يجوز فيها عمل ولا كلام إلا أن يعود إلى مصلحتها، على اختلاف بين العلماء وقد تقدم.

حديث: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَة بِالْلَّيْل وَمَلَائِكَة بِالنَّهَارِ" (١) إلى آخره. الباري، تبارك وتعالى، محيط بالكل، عالم بالجميع، له الحجة البالغة التي لا يتطرق إليها اختلال، ولا يتوجه عليها سؤال، فلو شاء ما قرن الملائكة بالخلق لكتب الأعمال ولكنه كما جاء في الحديث. (أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى: عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالكمْ أُحْصيهَا عَلَيْكُمْ فَنُوَفِّي كُل أَحَدٍ عَلَى عَمَلِهِ) (٢)، فإن أقرَّ أخذ به وإن أنكر شهدت كل جارحة على نفسها وذلك قوله تعالى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ} (٣) الآية إلى آخرها. وخلق الباري الأزمنة كما قدمنا سواء، وفضَّل بعضها على بعض بما شاء، حسب ما


= كانت بعد قوله - صلى الله عليه وسلم - إنَّ في الصَّلاةِ لَشُغْلاً؛ لأن ذلك كان قبل الهجرة، وهذه القصة كانت بعد الهجرة بمدة مديدة، وذكر عياض أن ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -، وردَّ بأن الأصل عدم الاختصاص .. وحمل أكثر أهل العلم هذا الحديث على أنه عمل غير متوالٍ لوجود الطمأنينة في أركان صلاته. فتح الباري ١/ ٥٩٢.
وقال النووي: ادَّعى بعض المالكية أن هذا الحديث منسوخ، وبعضهم أنه من الخصائص، وبعضهم أنه كان لضرورة، وكل ذلك دعوى باطلة مردودة لا دليل عليها، وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع لأن الآدمي طاهر وما في جوفه معفو عنه، وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تتبين النجاسة، والأعمال في الصلاة لا تبطلها إذا قلَّت أو تفرَّقت، ودلائل الشرع متظاهرة علي ذلك، وإنما فعل النبي، - صلى الله عليه وسلم -، ذلك لبيان الجواز. شرح النووي على مسلم ٥/ ٣٢ وعندي أن ما نقله الحافظ عن البعض من أنه إذا كان العمل غير متوالٍ والطمأنينة موجودة فلا بأس بذلك، وهو خلاف ما رجحه الشارح. والله أعلم.
(١) متفق عليه. البخاري في كتاب مواقيت الصلاة باب فضل صلاة العصر ١/ ١٤٥، ١٤٦، ومسلم في كتاب المساجد باب فضل صلاة الصبح والعصر والمحافظة عليهما ١/ ٤٣٩، والموطأ ١/ ١٧٠ كلهم عن أبي هرَيْرَة وبقية الحديث:
"وَيَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عبَادِيَ؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهمْ وَهُمْ يصَلُّونَ وَأَتَياهُمْ وَهُمْ يُصَلُونَ" لفظ البخاري.
(٢) مسلم كتاب البر والصلة باب تحريم الظلم ٤/ ١٩٩٤ - ١٩٩٥ من حديث أبي ذر عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، فيما يروى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَّالَمُوا .. يَا عِبَادي إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أُحْصِيها لَكمْ ثُمَّ أوفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمدِ الله ..).
(٣) سورة فصلت آية ٢٢.

<<  <   >  >>