للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتغير، وإنما ضرب له ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، مثلاً عبّر به عن وعيد الله تعالى في الزنا وعن عقوبته عليه في الدنيا بالجلد والرجم، وفي الآخرة بالنار.

والغيور إذا وجد في نفسه الحفاظ قال وفعل فعبّر النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن وعيده وعذابه بالغيرة تقريبًا له إلى الأفهام على ما قدمناه لكم من قبل (١).

غائلة وبيان: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللِّه لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كثِيراً" (٢).

هذا موضع هوَّلت به المبتدعة والملحدة على أهل الدين فقالوا إن فيما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، من أخبار الآخرة أموراً عظيمة ومعاني غريبة وذكروا باطلاً كثيرًا، وليس في قوله: "لَوْ تَعْلَمْونَ مَا أَعْلَمُ" إلا أحد معنيين.

الأول: أن معناه لو علمتم عذاب الله بالمشاهدة، كما رأيته أنا في النار، لبكيتم، أو يكون معناه لو دام علمكم كما يدوم علمي لأن علم الأنبياء صلوات الله عليهم متواصل لا يقطعه جهل ولا يدركه سهو وعلومنا تدخل عليه (الخيالات) (٣) والغفلات بالانهماك في الشهوات فتركن النفس إلى البطالات حتى تصدأ فلا يصقلها إلا الذكر.

تحقيق: قوله - صلى الله عليه وسلم - "رَأيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ" (٤).

وفي رواية (في عُرْضِ هذَا الْحَائِطِ) (٥) قد بينا لكم أن الإراك يخلفه الله تبارك وتعالى متى شاء لمن شاء حتى يدرك وهو في مقامه من العرش إلى الفرش، ومن آخر الملكوت


(١) قلتُ: والحق أننا نؤمن بهذه الصفة وغيرها من الصفات الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: أهل السنة والجماعة يؤمنون بما أخبر الله به في كتابه العزيز من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل هم الوسط مع فرق الأمة، كما أن الأمة وسط في الأمم، فهم وسط في صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة. مجموع الفتاوى ٣/ ١٤١ وسيأتي كلام ابن عبد البر.
(٢) هذا جزء من الحديث السابق ص ٣٨١.
(٣) زيادة من (م) و (ك).
(٤) جزء من حديث ابن عباس السابق.
(٥) البخاري في مواقيت الصلاة باب وقت الظهر عند الزوال وقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالهاجرة ١/ ١٤٣، وفي كتاب الاعتصام باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه، وقوله تعالى {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} البخاريَ ٩/ ١١٨ من حديث أنس وفيه: عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفاً في عُرْضِ هذَا الْحائطِ فلَمْ أَر الْيَوْمَ كالْخيْرِ والشَّرِّ.

<<  <   >  >>