للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد استصدر ابن العربي من شيخه الغزالي فتوى مسهبة أورد أبو بكر خلاصتها في شواهد الجلة؛ وفيها أن يوسف كان على حق في إظهار شعار الإِمامة للخليفة المستظهر، وأن هذا الواجب على كل ملك استولى على قطر من أقطار المسلمين، وإذا نادى الملك المشمول بشعار الخلافة العباسية وجبت طاعته على كل الرعايا والرؤساء ومخالفته مخالفة للإِمام وكل من تمرَّد واستعصى فحكمه حكم الباغي (١).

وأرفق الغزالي، مع تلميذه، خطاباً وجَّهه إلى ابن تاشفين يحضُّه فيه على التمسك بالعدل وينوَّه بمحامد سيرته ومحاسن أخلاقه، ويذكر الدور الذي قام به أبو محمَّد ابن العربي وولده أبو بكر في إشاعة ذلك مما تعطَّرت به أرجاء العراق، ويذكر أن الخلافة دعت الشيخ ابن العربي إلى الإِقامة ببغداد تحت البر والكرامة فأبى إلى الرجوع إلى ذلك الثغر لملازمة الجهاد مع الأمراء، ولا ينسى أن ينوِّه بمقام أبي بكر في العلم والمعرفة في رحلته الطويلة في المشرق وفي بغداد بصفة خاصة فيقول:

والشيخ أبو بكر قد أحرز من العلم، في وقت تردُّده إليّ ما لم يحرزه غيره مع طول الأمد وذلك لما خُصَّ به من توقّد في الذهن وذكاء الحس وإنفاذ البصيرة، وما يخرج من العراق إلا وهو مستقلّ بنفسه حائز قصب السبق بين أقرانه (٢).

وفي نهاية الخطاب يوصي ابن تاشفين بالشيخين خيراً لأنهما أهل لذلك ومن أحقّ بالإِكرام من أهل العلم (٣).

ثم غادرا بغداد عائدَيْن إلى بلدهما سنة (٤٩١ هـ) مارين بالشام وبيت المقدس ثم الإِسكندرية، وقد شاءت إرادة الله أن يموت عبد الله، والد القاضي، في نهاية الرحلة بذلك الثغر، ويأسف عليه ابنه أشدّ الأسف ثم واصل سيره إلى بلاده، وقد ودعه شيخه وابن بلده أبو بكر الطرطوشي وزوده برسالة إلى الأمير يوسف ابن تاشفين يوصيه فيه بتقوى الله وطاعته.

ويقول: ومِمَّا أتحفك به وهو خير لك من قلاع الأرض ذهباً لو أنفقته في سبيل الله


(١) شواهد الجلة ل ٢أ، عصر المرابطين والموحدين: ١/ ٤٢. ويبدو من ذكر الخليفة المستظهر في رواية ابن العربي وفي فتوى الغزالي أنهما يرجعان إلى سنة ٤٨٧ هـ. وقد تولى المستظهر الخلافة بعد وفاة أبيه المقتدي: ١٦/ ٤٨٧/١.
(٢) شواهد الجلة ل ٧أ.
(٣) شواهد الجلة ل ٧أ.

<<  <   >  >>