للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر، وإنما أخبره بوجه العمل فيه، وبقي جواز الأكل على أصله وقوله {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} خرج مخرج الغالب من الأحوال لا على طريق الشرط، وأبدع من هذا كله أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان في حجته قارناً ومعه الهدي فلما نحرها بمنى أمر بطبخها، وجعل في القدر من كل بدنة بضعة فأكل من لحمها وشرب من مرقها، وفيها لحم هدي القرآن ولم يميِّزه ولا فصله (١). فأما ما نذر للمساكين فلا ينبغي أن تذكروه في هذه المسائل (٢)، ولا أن تجعلوه من جملتها كما فعل بعض علمائنا؛ لأن ذلك صدقة والصدقة لها حكمها فلا تدخل في الهدي، وهذه أصول طرق الخلاف ومطالع النظر، وتركيب الأقوال عليها مبسوط في مسائل الفقه.

[صيام يوم عرفة]

روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَةٍ قَبْلَهُ وَسَنَةٍ بَعْدَهُ" (٣) قال علماؤنا: ومعنى هذا إذا لم يجد قبله ذنوب عامين، فإن وجد قبله ذنوب عامين كأنهما العامين اللذين يكفّران ومع حثّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، على صومه وإخباره عن فضله فإنه أفطره يوم حجِّه وذلك لوجهين:

أحدهما: لئلا يشق على أمته.

الثاني: ليسنّ فطره لمن كان حاجاً فإنه أقوى له على الدعاء والعبادة فيكون ذلك تخصيصاً للحاج من عموم الحديث، ويبقى الفضل لغير الحاج. والتأويل الأول هو الأشبه بمذهب مالك، رضي الله عنه, لأنه أدخل في الباب أن عائشة كانت تحجّ وتصوم يوم عرفة حاجّة (٤) كأنها فهمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنما أفطره خوف المشقة على أمته.


= وهل يجوز للفقراء من رفقة صاحب الهدي الأكل منه فيه وجهان .. أصحهما لا يجوز، وهو المنصوص عن الشافعي وصحَّحه الأصحاب للحديث، ومن جوَّزه حمل الحديث على أن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، علم أن رفقة ذلك المخاطب لا فقير فيهم وهذا تأويل ضعيف. المجموع ٨/ ٣٧٠.
(١) ثبت ذلك من حديث جابر الطويل، أخرجه مسلم في الحج باب حجة النبي، - صلى الله عليه وسلم -. مسلم ٢/ ٨٨٦.
(٢) قال مالك: يؤكل من كل الهدي الواجب الإجزاء الصيد ونذر المسكين وفدية الأذى. بداية المجتهد ١/ ٣٠٦، وانظر كلام الشارح في الأحكام ٣/ ١٢٧٩
(٣) مسلم في الصيام باب ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس ٢/ ٨١٨، وأبو داود ٢/ ٨٠٧، والترمذي ٣/ ١٣٨، والنسائي ٧/ ٢٠٤، وابن ماجه ١/ ٥٥١ وهو عند الثلاثة مختصراً، وأحمد أنظر الفتح الرباني ١٠/ ٢٣٤ بلفظ (يُكَفرُ سنَتَيْنِ مَاضِيَةً وَمُسْتَقْبلَة)، وابن خزيمة ٣/ ٢٩١، وشرح السنة ٦/ ٣٤٢ كلهم من حديث أبي قتادة.
(٤) الموطّأ ١/ ٣٧٥ - ٣٧٦ مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمَّد أن عائشة أم المؤمنين كانت تصوم يوم عرفة ... درجة الأثر: صحيح.

<<  <   >  >>