للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعدَّيه جاءوا إلى الحسن بن أبي الحسن (١) البصري في جماعة من القّراء يدعونه إلى الخروج معهم فقال لهم (إنَّ الحجاج عُقُوبَةُ الله في الْعِبَادِ، وَعُقُوبَةُ اللهِ لاَ تُقَابَلُ بِالسَّيْفِ وإنمَا تُقَابَلُ بِالتوبةِ) (٢). وأما قوله: أنْ نَقُولَ بِالْحقَّ وَلَا نَخَافُ لَوْمَةَ لَائِمِ فصحيح. فأما إن خاف العقوية فيسقط عنه فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلسانه ويبقى بقلبه، وهل يجوز له أن يقتحمه وان أدى إلى قتله. واختلف (٣) الناس في ذلك. والصحيح عندي أنه لا يجوز التعرّض له، وقد بيَّناه في كتب الأصول. وأما حديث عمر (مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ) (٤) إلى آخره فكلام فصيح لا تنزل بعبد شدة إلا فرجها الله تعالى إما بزوالها وإما بأفضل من ذلك وهو لقاء الله عند الموت وأما قوله: (وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ) فإنها فصاحة عربية لأن الله تعالى ذكر العسر مرتين بصيغة التعريف؛ فالأول هو الثاني، وذكر اليسر مرتين بصيغة التنكير، فالثاني غير الأول حسب ما تقتضيه اللغة العربية (٥). وأما قوله تعالى


(١) الحسن بن أبي الحسن البصري واسم أبيه يسار الأنصاري، مولاهم, ثقة، فقيه، فاضل، مشهور، وكان يرسل كثيراً ويدلّس. قال البزار: كان يروي عن جماعة لم يسمع منها فيتجوز ويقول حدثنا وخطبنا، يعني الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة. مات سنة عشر ومائة. ت ١/ ١٦٥ ت ت ٢/ ٢٦٣، تذكرة الحفَّاظ ص ٧١.
(٢) هذا الأثر رواه ابن سعد في الطبقات عن شيخه محمَّد بن الفضل أبو الفضل ٧/ ١٦٤.
درجة الأثر: صحيح.
(٣) الواو ليست في (ك) ولا (م) وذلك الأولى عندي.
(٤) الموطّأ ١/ ٤٤٦، عَنْ زيدِ بْنِ أسْلَمَ قَالَ: كَتَبَ أبو عبيدَةَ إلَى عُمَرَ يَذْكُرُ لَهُ جموعاً مِنَ الرُّوم وَمَا يَتَخَوَّف مِنْ أمْرِهِمْ، فَكَتَب إلَيْهِ عُمَر: أمَّا بَعْدُ، فَإنَّهُ مَهْمَا يِنْزِل بِعبد مُؤْمِنٍ مِنْ منْزَلِ شِدَّةٍ يَجْعَلِ الله بَعْدَهُ فَرَجاً وإنهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْر يُسْرينِ .. وهذا الأثر منقطع لأن زيد بن أسلم لم يدرك أبا عبيدة.
قال الحاكم: صحَّ عن عمرو على أنه لن يغلب عسر يسرين وقال: وقد روي بإسناد مرسل وساقه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الحسن، المستدرك ٢/ ٥٢٨. وأخرجه ابن جرير من نفس الطريق، تفسير ابن جرير ٣٠/ ١٥١.
وقال الحافظ: رواه مرفوعاً ابن مردويه من حديث جابر بإسناد ضعيف ولفظه (أوْحَى الله إلَيَّ أن مَع الْعُسْرِ يُسْراً إنَّ معَ الْعسْرِ يُسْراً وإنه لَنْ يغْلِبَ عُسرٌ يسْرَينِ)، ثم قال: وأخرجه عبد بن حميد عن ابن مسعود بإسناد جيد من طريق قتادة، فتح الباري ٨/ ٧١٢.
درجة الحديث: ضعيف لأن المرسل منقطع، كما قال الحافظ في الفتح ٨/ ٧١٢ وحكم أيضاً بضعف المرفوع.
(٥) ورد في البخاري في تفسير سورة {أَلَمْ نَشْرَحْ} ٦/ ٢١٣، قال ابن عيينة: أي إنَّ مع ذلك العسر يسراً.
قال الحافظ: وهذا مصير من ابن عيينة إلى اتباع النحاة في قولهم إن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى، وموقع التشبيه إنه كما ثبت للمؤمنين تعدد الحسنى كذا ثبت لهم تعدد اليسر، أو إنه ذهب إلى أن المراد بأحد اليسرين الظفر وبالآخر الثواب فلا بد للمؤمن من أحدهما، فتح الباري ٨/ ٧١٢.

<<  <   >  >>