للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعون للعدو يغلب المنة في الرعب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ) (١)، والمسلمون ينصرون بعده على قدر طاقتهم. فإذا كان الغلول ذهبت هذه الفائدة عنهم وانعكس النصر عليهم، كما أنه إذا فشا فيهم الزنا كثر فيهم الموت لأنهم طلبوا تكثير الوجود من غير طريق الشرع فسلَّط الله تعالى عليهم الفناء، كما أنهم إذا كفروا نعمة الله تعالى في الميزان الذي هو عيار الأموال طلباً لنمائها بالمعصية عاقبهم الله تعالى بأن سدَّ عليهم باب الرزق من السماء، ولهذا المعنى قال العبد الصالح: {بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (٢)، كما أنهم إذا حكموا بغير الحق فاستطالوا على الناس واستعدوا عليهم بالباطل سلَّط عليهم من يفنيهم (٣) مثله، كما أنهم إذا استعانوا على أعداء الله بنكث أيمان الله قلب الله الحال وحكم بغلبة العدو لهم ولذلك قال تعالى {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} (٤) أي لا يحل لأحد أن يخون النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يعلم بخيانته، وذلك أعظم في معصية الخائن وذنبه، فليست خيانة النبي - صلى الله عليه وسلم -، كخيانة غيره، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن الغلول عار في الدنيا ونار في الآخرة، وأخبر عن مدعم (٥) أن الشملة التي غلها اشتعلت عليها ناراً (٦)؛ كل ذلك تنبيه للخلق وتحذير. ولما كان النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا ينبغي له أن يغل أمتنع عن الصلاة على بعض المقتولين، وقال إن صاحبكم قد غل فوجدوا الأمر كما قال (٧)، وامتناعه عن الصلاة


(١) البخاري في التيمم ١/ ٩١ وفي الصلاة باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَطُهُوراً" ١/ ١١٩، والنسائي ١/ ٢٠٩ كلاهما عن جابر بن عبد الله.
(٢) سورة هود آية ٨٦.
(٣) في (م) زيادة بالباطل.
(٤) سورة آل عمران آية ١٦١.
(٥) مدعم: عبد أسود أهداه رفاعة الجذامي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأعتقه قُتل بخيبر فغل شملة. تجريد أسماء الصحابة ٢/ ٦٦ وانظر الإصابة ٣/ ٣٩٤.
أقول: ضبط صاحب المغني في ضبط الأسماء بقوله مدعم، بمكسورة وسكون دال وفتح عين مهملتين، عبد أسود. المغني ص ٢٢٧.
(٦) متفق عليه. البخاري في كتاب الأيمان والنذور باب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزرع والأمتعة ٨/ ١٧٨، وفي المغازي باب غزوة خيبر ٥/ ١٧٦، ومسلم في الأيمان باب غلط تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ١/ ١٠٨، وأبو داود ٣/ ١٥٥، والنسائي ٧/ ٢٤، والموطأ ٢/ ٤٥٩، وشرح السنة ١١/ ١١٦ كلهم عن أبي هُرَيْرَة.
(٧) الموطّأ ٢/ ٤٥٨ عَنْ يحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيىَ بْنِ حَبّانٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ قَالَ: تُوُفَّيَ رَجُلٌ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَأَنَّهُمْ ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذلِكَ فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: إنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ الله، فَفَتَحْنا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ =

<<  <   >  >>