للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سافرت النساء مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ووقفت في الصف وقاتلت وما أسهم لهن (١) أما انهن يحذين (٢) وينفَّلن على الاختلاف المتقدم في كيفية الحذيا والنفل، وكذلك قال علماؤنا: لا يسافر بالمصحف إلى أرض العدو إلا أن يكون جيشاً مأموناً. قال مالك، رضي الله عنه: مخافة أن يناله العدو (٣)، فورد الحديث في الموطأ قاصراً من وجهين.

أحدهما: أنه قال نهى ولم يقل لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الثاني: أنه جعل التقية من كلام مالك، رضي الله عنه (٤)، وفي الحديث الصحيح بنقل العدل عن العدل عن ابن عمر، رضي الله عنه، قال النبي، - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوَّ لِئَلَّا يَنالَهُ الْعَدُوُّ" (٥) وهذا نص في الوجهين، وقد سمعت بعض أشياخي يقول: إن النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو إنما هو السفر بالعلماء مخافة أن تفنيهم الشهادة، قال: فأما السفر بالمصحف فلا يؤثر فيه العدو، وهو مُحكم في قلوب الرجال المشحونة بالتوحيد والقرآن فكيف بأوراق المصحف وقد كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن إلى


(١) ثبت ذلك من حديث ابن عباس عند مسلم في الجهاد والسير باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم ٣/ ١٤٤٤.
(٢) الحذية والحذوة والحذيا وأحذى الرجل أعطاه مما أصاب. لسان العرب ١٤/ ١٧١.
(٣) ولفظه في الموطأ: مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله، - صلى الله عليه وسلم - (أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوَّ) الموطأ ٢/ ٤٤٦.
(٤) ونقل الحافظ عن ابن عبد البر قوله: هكذا قال يحيي الأندلسي وابن بكير وأكثر الرواة عن مالك، ورواه ابن وهب عنه فقال: خشية أن يناله العدو فجعله من المرفوع.
وكذا قال عبيد الله بن عمر وأيوب عن نافع: "نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَة أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ".
قال الحافظ: أشار إلى تفرد ابن وهب برفعها عن مالك وليس كذلك فقد تابعه عبد الرحمن بن مهدي عند ابن ماجه بلفظ (مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ) ولم يجعله قول مالك، وقد رفعها ابن إسحاق أيضاً عن أحمد والليث وأيوب عند مسلم فصحَّ أن التعليل مرفوع .. وليس بمدرج ولعل مالكاً كان يجزم برفعه ثم صار يشك فيه فجعله من تفسير نفسه ..
قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء أن لا يسافر بالمصحف في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه وفي الكبير .. خلاف فمنع مالك .. مطلقاً وفصل أبو حنيفة وأدار الشافعي الكراهة مع الخوف وجوداً وعدماً .. فتح الباري ٦/ ١٣٤.
(٥) البخاري في الجهاد والسير باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو ٤/ ٦٨، ومسلم في كتاب الإمارة باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه في أيديهم ٣/ ١٤٩٠، والموطأ ٢/ ٤٤٦.

<<  <   >  >>